الاثنين، 19 أبريل 2010

مساء مضطرب




المشي عند المساء عندما تهجع الكائنات الى امكنتها يساعد الانسان على التحرر من اعباء النهار واوزاره الثقيلة واستنشاق جزيئات من الهواء الطلق بعد ان غادرت الشمس المكان مودعة نهارا اخر من نهارات الصيف الطويلة والحارة جدا, اصوات الاغنام تسمع من بعيد وهي تستعد لتناول العشاء وتحدث جلبة في القرية الوادعة المستلقية على سفح الجبل كانها استقالت من صناعة التاريخ وتقاعدت او هكذا يخيل لبعض عجائز المستشرقين الحالمين بشرق ساكن يرواح مكانه غير عابىء بصيرورة التاريخ ومكر الازمنة ودهائها. في اجواء المساء الهادئة والتي تكون اشبه باجواء جنائزية تختال بين ثنايها الارواح الشريرة القابعة بالقرب من مقبرة القرية, يخرج الشاب الى احد الشوارع ورائحة خبز نسوة القرية تعبق في المكان وتضفي عليها بعدا نوستالجيا رائعا يعود بالانسان الى ايام قد خلت.


كان الشاب يلبس سروالا فضفاضا ازرق اللون وسترة سوداء طويلة الاكمام وحذاءا رياضيا ممزق الاوصال ابيض اللون. كان يمشي بخطوات سريعة وقد اعطاه السروال الفضفاض منظرا مضحكا بسب جسمه النحيل, اذ بدا السروال الشامي العتيق كانه جلباب يخيم على نحالة الجسد المرهق ,تامل مصابيح الشارع التي اضفت على المكان المقفر والخالي من الناس نوعا من الطمانينة, كانت الوساوس تاتي أوكلها في راس الشاب وهو يتامل السكون المريب الذي احاط بالبلدة التي بدات تغطس في الظلام ,تحسس بيده احدى جيوب السروال ,تذكر انه خالي الوفاض, لم يتبق في البيت الا بضع ارغفة, وهو كل طعام العائلة الفقيرة المكونة من ثلاثة اطفال وهو وزوجته الهادئة الحزينة على ما الت اليه حاله من فقر وعوز , فقد فصل الشاب من عمله كحارس ليلي في احدى شركات البناء قبل ثلاثة اشهر ومنذ ذلك الحين لم يات بقرش واحد, اما الغذاء (الخبز والجبن وشيء من الخضروات ) فقد حصلت عليه الزوجة الوادعة الكئيبة من بيت اهلها عندما زيارتهم في الاسبوع الماضي .


لماذا خرج الى الشارع بعد غياب الشمس ؟ يسال نفسه؟ ولا يكاد يحصل على اجابة محددة , الكي يروح عن نفسه قليلا, لينسى همومه والنظرات الكسيرة في عيون اطفاله الذين ذاقوا طعم الحلوى .فيما مضى , ونسوا رائحة اللحم وسواه من الاطعمة الدسمة منذ فصل من عمله, اغرورقت عيناه بالدموع , لماذا حرم من السعادة , اهو المال وفقده الذي حرمه من هذا المنتوج المتخيل, السعادة ذلك الامل الوراق والهش.


قبل الزواج وقبل وتفتح البراعم الثلاثة تخيل عائلة تعيش في بحبوحة من العيش , بيت واسع, سيارة, قطة جميلة وطويلة الشعر , يعبث بها الاولاد ويسقونها اللبن, ولكن لا لبن ولا غيره, الدمع لم يغادر مقلتي الشاب الذي ابطا في سيره, عندما اصبح يحاذي دكانا كيبرا مضاءا وفيه بعض الزبائن يعبئون السلع في اكياس بلاستيكية وهم يضحكون ويتصايحون بمرح ويشربون العصير المثلج.. يتلمظ الشاب اه.. ما الذ العصير المثلج الان ولكن الاولاد , الزوجة, اه.. اه ..., شعر بغصة في حلقه, ووجع في نفسه, انه عاجز عن الدخول الى الدكان والشراء مثل الاخرين, فسيطرده البائع حتما, انه سليط اللسان وسيطالبه بالديون المتراكمة عليه منذ شهور, يمضي بعيدا عن الدكان وهو يلعن الزمن والفقر والزواج والعالم كله ويمني نفسه لو بقي وحيدا بلا زوجة ولا اولاد, ماذا سيحدث لو لم اتزوج ؟ اليس من الافضل ان ابقى عازبا ,من ان اتحمل نظرات الزوجة والاولاد الصغار في انتظار الحلوى والملابس الجديدة, يتابع سيره بخطى وئيدة, يغرق في الظلام والدموع, ينتحي في احد الازقة الخالية من الانارة ,يجلس القرفساء ويطلق العنان لدموعه التي انهمرت بسخاء.


يفتح عينيه بتثاقل , يشعر بالجزع والخوف والعطش الشديد. الماء الماء ... يبعد اللحاف عن وجه يتحسس عينيه! هل يبكي, ,اين الزوجة اين الاولاد.... انه شاب اعزب!!, اللعنة انه كابوس لعين.. اين هي الدموع التي غرق في سيلها قبل قليل, يشرب الماء من كوب كبير على طاولة صغيرة محاذية للوسادة. يلعن الشيطان الرجيم ويتمتم بكلمات غير مفهومة ويدخل الى الحمام للاغتسال والاستعداد للذهاب الى الجامعة وهو يقول في نفسه يا له من كابوس مرعب,انه حلم مزعج حقا ,يستنشق رائحة القهوة التي "تفحفح" قادمة من المطبخ حيث يفطر والديه واخوته, يتجه الى هناك وهو يلوح بيديه في الفضاء ممارسا لبعض التمارين الرياضية قبل ان يصبح على عائلته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق