الخميس، 29 أبريل 2010

شاعر وشيخ














في قلب ظلام كونراد


تتراءى خربشات شاعر


يلتحف اشراقات صوفية


يتامل الزمن الصوفي السيال


يسائل ابن العربي عن الفتوحات المكية


يقبض على تلابيب الشيخ:


ماذا عن مكائد الكلام


ويستفتيه في سرمدية المكان


وخبايا الارواح الشريرة






ينادي الشاعر على صدى الليل الاسيان


يحلم براية بيضاء تتراءى


على اسطح منازل الفلاحين البسطاء


قبل ان تجتاح ثلة من الجند المكان


وتستبيح الزمان


ويستطير الشر, وتزعق غربان..


يراق الدم كما المطر الحزين


وينطق الشجر


يستعمل الشجر لغة الشيخ


وحدة الوجود


يلعق الشاعر جراح الروح


يناى بنفسه بعيدا


يعض بالنواجذ


على منطق الشيخ


يفعل على مضض


الجراح هي الجراح


والمساء هو المساء


والخواء هو الخواء


والمطر الحزين


ومقهى في زقاق عتيق


كؤوس الاسبرسو العامرة


وحسناء المقهى تجول


بين الطاولات تلبي بعض الطلبات


والزبائن يترنحون, في نومهم يعمهون..


تمتزج الازمنة وتقتحم الامكنة


تتداخل الروائح


روائح جثث الاهالي .


تزكم الانوف


بعضها احترق


وبعضها اختفى


والبعض الاخر دفن تحت الانقاض


وثمة من قال ان جيش المغول مثل ببعض الجثث


هذا هو الحال
انه المآل


وتوالى الصدمات


والخيبات


تتعاضد الخيبات وتتناسل الثيمات


ويستمر الشيخ


يهمهم ويتحدث في نزق


والمساء الحزين


كما المطر الحزين هو هو ..


حسناء المقهى توزع الابتسامات


المزيد من الاسبرسو مخلوط باللبن


في الصيف ضيعنا اللبن..


وتتوالى الخيبات


يترنح الزبائن بثقل..


والشيخ يستطرد ويقول


وجع...





الاثنين، 19 أبريل 2010

مساء مضطرب




المشي عند المساء عندما تهجع الكائنات الى امكنتها يساعد الانسان على التحرر من اعباء النهار واوزاره الثقيلة واستنشاق جزيئات من الهواء الطلق بعد ان غادرت الشمس المكان مودعة نهارا اخر من نهارات الصيف الطويلة والحارة جدا, اصوات الاغنام تسمع من بعيد وهي تستعد لتناول العشاء وتحدث جلبة في القرية الوادعة المستلقية على سفح الجبل كانها استقالت من صناعة التاريخ وتقاعدت او هكذا يخيل لبعض عجائز المستشرقين الحالمين بشرق ساكن يرواح مكانه غير عابىء بصيرورة التاريخ ومكر الازمنة ودهائها. في اجواء المساء الهادئة والتي تكون اشبه باجواء جنائزية تختال بين ثنايها الارواح الشريرة القابعة بالقرب من مقبرة القرية, يخرج الشاب الى احد الشوارع ورائحة خبز نسوة القرية تعبق في المكان وتضفي عليها بعدا نوستالجيا رائعا يعود بالانسان الى ايام قد خلت.


كان الشاب يلبس سروالا فضفاضا ازرق اللون وسترة سوداء طويلة الاكمام وحذاءا رياضيا ممزق الاوصال ابيض اللون. كان يمشي بخطوات سريعة وقد اعطاه السروال الفضفاض منظرا مضحكا بسب جسمه النحيل, اذ بدا السروال الشامي العتيق كانه جلباب يخيم على نحالة الجسد المرهق ,تامل مصابيح الشارع التي اضفت على المكان المقفر والخالي من الناس نوعا من الطمانينة, كانت الوساوس تاتي أوكلها في راس الشاب وهو يتامل السكون المريب الذي احاط بالبلدة التي بدات تغطس في الظلام ,تحسس بيده احدى جيوب السروال ,تذكر انه خالي الوفاض, لم يتبق في البيت الا بضع ارغفة, وهو كل طعام العائلة الفقيرة المكونة من ثلاثة اطفال وهو وزوجته الهادئة الحزينة على ما الت اليه حاله من فقر وعوز , فقد فصل الشاب من عمله كحارس ليلي في احدى شركات البناء قبل ثلاثة اشهر ومنذ ذلك الحين لم يات بقرش واحد, اما الغذاء (الخبز والجبن وشيء من الخضروات ) فقد حصلت عليه الزوجة الوادعة الكئيبة من بيت اهلها عندما زيارتهم في الاسبوع الماضي .


لماذا خرج الى الشارع بعد غياب الشمس ؟ يسال نفسه؟ ولا يكاد يحصل على اجابة محددة , الكي يروح عن نفسه قليلا, لينسى همومه والنظرات الكسيرة في عيون اطفاله الذين ذاقوا طعم الحلوى .فيما مضى , ونسوا رائحة اللحم وسواه من الاطعمة الدسمة منذ فصل من عمله, اغرورقت عيناه بالدموع , لماذا حرم من السعادة , اهو المال وفقده الذي حرمه من هذا المنتوج المتخيل, السعادة ذلك الامل الوراق والهش.


قبل الزواج وقبل وتفتح البراعم الثلاثة تخيل عائلة تعيش في بحبوحة من العيش , بيت واسع, سيارة, قطة جميلة وطويلة الشعر , يعبث بها الاولاد ويسقونها اللبن, ولكن لا لبن ولا غيره, الدمع لم يغادر مقلتي الشاب الذي ابطا في سيره, عندما اصبح يحاذي دكانا كيبرا مضاءا وفيه بعض الزبائن يعبئون السلع في اكياس بلاستيكية وهم يضحكون ويتصايحون بمرح ويشربون العصير المثلج.. يتلمظ الشاب اه.. ما الذ العصير المثلج الان ولكن الاولاد , الزوجة, اه.. اه ..., شعر بغصة في حلقه, ووجع في نفسه, انه عاجز عن الدخول الى الدكان والشراء مثل الاخرين, فسيطرده البائع حتما, انه سليط اللسان وسيطالبه بالديون المتراكمة عليه منذ شهور, يمضي بعيدا عن الدكان وهو يلعن الزمن والفقر والزواج والعالم كله ويمني نفسه لو بقي وحيدا بلا زوجة ولا اولاد, ماذا سيحدث لو لم اتزوج ؟ اليس من الافضل ان ابقى عازبا ,من ان اتحمل نظرات الزوجة والاولاد الصغار في انتظار الحلوى والملابس الجديدة, يتابع سيره بخطى وئيدة, يغرق في الظلام والدموع, ينتحي في احد الازقة الخالية من الانارة ,يجلس القرفساء ويطلق العنان لدموعه التي انهمرت بسخاء.


يفتح عينيه بتثاقل , يشعر بالجزع والخوف والعطش الشديد. الماء الماء ... يبعد اللحاف عن وجه يتحسس عينيه! هل يبكي, ,اين الزوجة اين الاولاد.... انه شاب اعزب!!, اللعنة انه كابوس لعين.. اين هي الدموع التي غرق في سيلها قبل قليل, يشرب الماء من كوب كبير على طاولة صغيرة محاذية للوسادة. يلعن الشيطان الرجيم ويتمتم بكلمات غير مفهومة ويدخل الى الحمام للاغتسال والاستعداد للذهاب الى الجامعة وهو يقول في نفسه يا له من كابوس مرعب,انه حلم مزعج حقا ,يستنشق رائحة القهوة التي "تفحفح" قادمة من المطبخ حيث يفطر والديه واخوته, يتجه الى هناك وهو يلوح بيديه في الفضاء ممارسا لبعض التمارين الرياضية قبل ان يصبح على عائلته.

الأربعاء، 14 أبريل 2010

كتاب هارب





يعتريني الامل من جديد عندما ارى طفلا يقرا ويتامل الصور الملونة في قصة صغيرة الحجم وقليلة الصفحات , تكبر في الطفولة وتدغدغني الاحلام الجريئة والمتفتحة وردا جوريا معطرا بدم الغزلان البرية الطليقة في غابات الابداع ومعابد الحرية وجمال الروح الانسانية المتالقة في سماء ابدية الفن وخلوده ,انه الامل فحسب ولكن هيهات هيهات وعبثا تجدي التمنيات وتثمر الصلوات ,ما لي ارى ابنا ء قومي وقد قست قلوبهم واشتدت سواعدهم على الكتب وحامليها . اما مناسبة هذه الكلمات التي تطفو على سطح بحيرة النفس الثائرة والناقمة على حال الكتب وندرة روادها وانصارها في بلاد عدنان وقحطان فهي قصة دارت في زمان وفي مكان ما من خريطة الذاكرة, وفي هذا المقام ساوردها لكم بتمامها وكمالها : اذ اخبرني احدهم وما اكثرهم وقد عض بالنواجذ على طرف ثوبه الناصع البياض وخرج من البلدة خائفا يترقب قومه المتربصين به والناقمين عليه , قال: كنت اجلس في حديقة داري اقرا في كتاب الجفر وقد اعتوتق وذبلت ملامحه واصفرت صفحاته البالية واكل عليه الدهرالمناسف وشرب عليه الكوكاكولا الخالية من جنس السعرات الحرارية !! وقال : فاذا بجمع من الناس وقد اقتحموا علي المكان متوعدين شاتمين بالحجارة ممسكين, وعلى السيوف قابضين والشرر من عيونهم يطير, والشر يقدح منها ويستطير, فقفزت من مكاني مذعورا كمن لسعته عقرب صفراء تخندقت في بواقي القش المتراكم في بيدر الصيف الجائر بحرارته وثرثراته المملة ولياليه الطويلة , وتطايرت في الهواء وقد طار الكتاب هو الاخر من بين يدي وعانق السماء فقلت لهم وقد اشعلو نارا وبداوا يرقصون من حولها على مذبح الكتاب وصاحبه : ماذا دهاكم يا قومي وبني عشيرتي فاجاب كبير ربعهم وقد تمنطق بكرش كبير وفوقه يرقص خنجر مسموم , قال وهو متحفز للانقضاض علي وتمزيقي اربا اربا ورميي للكلاب المسعورة, والتي بدات تنبح حزنا على غياب ضوء القمر: اجننت يا هذا , ثم قال وقد كشر عن انيابه ولوى عنقه الى الامام وصرخ بعنفوان ورفع الصولجان في الهواء وقد سمعت من حوله قرقعة سلاح وضحكات وهمهمات اطلقتها الرياح وما جاورها من اشباح :اراك تمسك كتابا عتيقا ممزق الاوصال, وتقرا فيه مبحرا في عبابه موغلا في اثمك, غير مراع لمشاعر الرعية وحرمة الارض الطاهرة من رجس الشيطان , لا بل تفعلها جهارا نهارا وعلى رؤوس الاشهاد, الم يبلغك حظرنا على استعمال كل انواع الكتب واصنافها ومنع تدوالها واشهارها علانية, وعلى شرائها وبيعها وتصديرها ومقايضتها بالقهوة والشاي والاراجيل المزروعة في كل الامصار والثغور, واقفاص الدجاج المتناثرة على طول الشوارع الرئيسية, في بلداتنا العربية بدلا عن المكتبات والمسارح وتلك الامسيات وغيرها من المنكرات , الا تعلم يا هذا ان الكتب مفسدة عظيمة للناس ,تفسد عقولهم وتذهبها مع الريح ,وتاخذ بالبابهم, وتخرب بيوتهم ولا تعمرها لا بل تهدمها على رؤوس اصحابها بواسطة الجرافات والافكار الجديدة و تحشوها بالفساد وغراب البين, وان امثالك من المثقفين المارقين يهددون سلامة مواطيننا المسالمين الكافين الناس خيرهم شرهم وحافظي ماءهم في سمائهم الى يوم يبعثون, . نظرت في عيني صاحبنا صاحب الكتاب المعلوم والذي طار (الكتاب) مع الريح من شدة رعب صاحبنا وقفزته المشهورة في فناء الحديقة ,عندما هجم عليه افراد العسس والبصاصين كالكلاب المسعورين وقد اسقط في يدي ,غير مصدق ما تسمع اذناي ولا ترى عيناي والتي سياكلهما الدود في مقبرة البلدة الغير مسيجة والمعرضة لعبث العابثين وغنم السارحين وعربدة السكرانين وهمهمات العاشقين الولهانين عند الاصيل وقبل غياب الشمس بقليل. تابعت تلك النظرة البلهاء في عيني صاحبنا التي اغرورقت بدمع مهين ,وقد انعكست دمعة تائهة على سطح القمر الذي اطل من وراء الافق الشرقي بخجل واضفى سحره الفضي المعلق على البلدة . وجللها بالسكون,واكراما لتلك الدمعة السخية والتي انسابت رقراقة تمشي الهوينى على خد صاحبنا وقد عشقها القمر , اسفت وجزعت لتشكيكي في كلامه ونسيت او تناسيت انني اعده من الصادقين , فعاد الى رشده وتمالك عقله وقبض عل زمام الحديث من جديد وتابع قص شريط سيرته عن ذاك المتمنطق بالكرش المستدير, قال صاحبنا واسترسل في السرد : ان ذلك الزعيم ختم كلامه بزيادة في عيار التهديد والوعيد له اذا ما عاد الى فعله المشين من حمل للكتب وتعريض امخاخ العامة لخطر التخريب وتسميم افكارهم بالحبر المراق دمه على الصفحات البيض, واذا فعل ويعلم الله انه سيفعل فسيعلق راسه على اسوار المدينة وسيضرب عنقه في ساحة الشهداء وعلى رؤوس الاشهاد وسيكون هذا مصير كل معتد اثيم على عقول الناس المصانة والمكرمة والمعززة بعيدا عن الكتب ووسوساتها والاقلام وخربشاتها, فقام صاحبنا ولم يتمالك نفسه وطار عقله من راسه وهو يكفكف دمعه ويدفن راسه بين كتبه المكومة في غرفة مزدحمة بالكتب الممزقة والعتيقة وقد احكم اغلاق باب داره خوفا من الزعيم المعربد والمزمجر الذي غادر المكان بعد ان سيطر على الزمان مسنودا على ازناد رجاله العتاة الذين يضمرون العداء للكتب واصحابها وقد وزع صاحب الكرش المشهور منشورا يبشر فيه ابناء البلدة بنيته قطع دابر الكتب من الازقة والحارات ونصب المشانق لحاملي الكتب ومتداوليها وتعليق رؤوسهم المشرئبة الى عل في الساحات العامة وتقطيع اوصالهم والتمثيل بجثثهم.


هكذ وبسماع الخبر خبا الاطفال قصصهم الجميلة في اثواب امهاتهم الفضفاضة الزاهية الطويلة ,ودفن بعض القراء كتبهم في كهف قديم تسكنه الجن والعفاريت, واحرق اخرون ما تبقى لهم (لم يتبق لنا شيء يا غسان كنفاني) من كتب واوراق ومعاجم ونصوص فلسفية كتبها العجم والعرب, ولكن ثمة فرقة ناجية ! اذ فرت قلة قليلة من اصحاب الكتب من بعض الاحياء االمظلمة والمحاصرة بافراد ميليشيات الزعيم , وهم يعضون على اطراف ثيابهم التي تحمي الكتب من رجال الزعيم صاحب الكرش العظيم المتربصين بالكتب وحامليها, وكان صاحبنا احد الفارين الناجين والذي عبر الحدود الى احدى البلدات المجاورة والتي يحمل فيها الناس الكتب سرا وعلانية وعلى قارعة الطريق وفي الحافلات والقطارات وعلى ظهور البغال والحمير, ويقراون بحرية ودونما مضايقة من العسس والبصاصين وعيون المحتسب في تلك البلدة الامنة المطمئنة.

هواجس القراءة الاولى

هواجس القراءة الاولى


في هذه الايام اجد نفسي منكبا على مطالعة عدد من الكتب في آن واحد. فانا اقرأ في كتاب "فن الشعر" لبورخيس كما اقرا في كتاب "الوصايا المغدورة "لميلان كوندير بالاضافة الى كتاب "سباق المسافات الطويلة " لعبد الرحمن منيف وكتاب اخر هو " ظل الغيمة" لحنا ابو حنا .


لماذا هذا الابحار في عباب محيطات الكتب وبحارها ,ولماذا لا اختار كتابا واحدا والقراءه فيه بروية وتمهل كما يفعل الاسوياء اذا كان اصلا هناك اسوياء بكل ما يتعلق بعملية القراءة ؟


هنا بالذات تحضرني كلمات الكاتب الارجنتيني العظيم خورخي لويس بورخيس حول القراءة والنص , طرح بورخيس وهو يعتبر القارىء الاكبر الكثير من الاسئلة كما فعل غيره قبله وبعده من المهتمين بالقراءة حول تلك العملية السحرية للقراءة وعلاقة القارىء بالنص وقد اكبر بورخيس من شأن القارىء حتى انه جعله في مرتبة اعلى من الكاتب فكما يقول بورخيس ان الكتاب كثير لكن القارىء الجيد نادر الوجود .في هذا السياق لا اريد ان اطنب في وصف عملية القراءة وعن علاقة الود او العداء السافر بين القارىء والنص اذ يبدو لي انه لا يدخل النهر شخص مرتين ولا يقرا شخص كتابا مرتين, فعند القراءة الاولى تتحدد علاقتنا مع النص ونتخذ موقفا مرة حاسما وتارة اخرى متخاذلا من السطور الممتدة امام ناظرينا " ماذا مع المؤلف هل ما زال حيا !!


القراءة الاولى لكتاب ما مثلها مثل رعشة الحب الاولى مثل الارض العطشى عند اول المطر, لا استطيع مهما حييت نسيان انصهاري الكلي واللانهائي في الكتاب عند قراءتي الاولى .


لا بل اكثر من ذلك حاولت كثيرا ان اعيد قراءة كتاب ما فلم انجح قط.. يبهرني الكاتب بعوالمه واهوائه مهما كانت غرائبية او جنونية . عند اول لقاء اتماهى تماما مع ابطال الكاتب اوافقه واعارضه واقارعه في ما يقول اشعر بفرح جنوني استدعي ابطال الاساطير كلها اهيم وجدا باطياف الكتاب السحرية اتماهى معه وافقد خصوصيتي وثقافتي وهويتي .. واستعير هوية وروحا جديد من كاتب النص .. لكن ان يعود هذا الوجد الاخاذ بالكتاب بعد قراءته الأولى فهيهات هيهات....


الان وعلى وقع كلماتي السابقة والصاخبة الى حد ما اعود بذاكرتي لسنوات خلت عندما قرأت اجمل روايات الكاتب الكولومبي الشهير غابرئيل غارسيا ماركيز افضل من كتب رواية في التاريخ الانساني قاطبة واسم الرواية "مئة سنة من العزلة" ذلك الكتاب الساحر لصاحب المدرسة الواقعية السحرية في ادب امريكا اللاتنية الذي استطاع ان يبهر العالم بهوياته واطياف ثقافاته الملونة والمختلفة تحت لواء الرواية وردائها الملون الجميل بشخصياتها الاسطورية التي تنفلت من ربقة الزمن وتعيش في حيز اسطوري وسحري يختصر المسافات ويعلن انتصار الانسان ببساطته وبلفافات تبغه ومرحه الطفولي, بحكايات العشق ومغامرات الانسان الحالم بعالم اخر متحرر من الالات العصرية المقيتة ودقات الساعة الرتيبة, عالم بهيج يضج بصياح ديكة بلدة مكاندو الاسطورية عند الفجر واصوات البهائم عندما يحلبها القرويون قبل ان يستيقظ الجميع" واغاني الرعاة واصوات الصبية المتناهية من اخر البلدة, واستعراضات الحركات اليسارية في ادغال امريكا اللاتنية, انها عوالم ماركيز الخلابة والمحرضة على الفرح .


ماركيز الذي عمم بساطة ثقافة موطنه بما تحويه من قصص وارواح شريرة تطوف شوارع البلدة بعد مغيب الشمس بقليل, هذه العوالم والحكايات الجميلة وعروض السيرك وقوافل الغجر التي تعرض بضاعتها في شوارع البلدة وتقترح قراءة الكف على المارة من العاشقين الباحثين عن ملاذ لوجدهم .


هذ الاجواء المحلقة والبديعة الساحرة لا تنفك عن ملاحقتي وتملك حيزا من ذاكرتي لهذا ازمعت على معاودة قراءة رواية ماركيز من جديد لكنني لم انجح في عبور الصفحة الخامسة من الرواية رغم تاثري البالغ بها وهي اعظم ما قرأت من روايات, وعلاقتي مع القراءة تفوق العشرين عاما ونيف. ان عجزي عن قراءة هذه الرواية الرائعة مرة ثانية نابع من عمق التجربة الاولى ونضجها, القراءة الاولى التي حتما تطغى على كل قراءة اخرى لا بل تتفرد كليا بذهن القارىء وتحدد علاقته بالاشياء عامة وبعوالم الرواية ذاتها خاصة .


اعود الى سؤالي الاول لماذا اقرأ كثيرا في هذه الايام؟ لا اعرف اجابة واضحة او محددة, ربما لشعوري المتعاظم يوما بعد يوم من تقصيري في المطالعة اقول لنفسي عندما اخلو بها عندما يتهادى القمر في مشيته من عل, القمر ذلك الرب الرخامي المعلق كما اخبرني نزار ذات مساء صيفي جميل عندما جلسنا مع دواوين الشعر على سقف احد بيوت القرية التي تجاور القمر, اقول لنفسي: علي ان اصل الليل بالنهار حتى ااسدد ديني للمطالعة, علي مجاهدة نفسي وسرقة اللحظات كما تسرق النار المقدسة حتي اقرا المزيد واغوص في اكبرمحيط من الكتب لعلي اسدد شيئا من ديني لكتاب عظماء ما زالوا ينتظرون اجتماعي الاول بهم ويرغبون في حوار دافىء معي , علنا نجلس معا حول الموقد في الشتاء البارد نشرب الشاي وندخن لفائف التبغ التي يتقن صنعها القرويون ,نغني للمطر ونتبادل النكات ونتذكر من مات من اطفال المخيم قبل ايام.


لكن ثمة سر دفين لماذا اقرأ اصلا ؟ ولماذا يقرأ الناس؟ هذا سؤال اخر يلح علي كثيرا لكني الان محاصر بالكتب المكدسة, كدت اقول المقدسة ساهيم فيها على وجهي سافتحها فتحا مبينا وساقراها حتى اخر حرف وبعدها ساتصدى لهذا السؤال المباغت .

الجمعة، 9 أبريل 2010

عندما تستلقي الايائل!!


تَسْتَلْقِيَ الأَيَائِلِ فِيْ حِضْنِ الْوَادِيْ الْسَّحِيْقِ وْتَتَنَاهَىْ أَصْوَاتِ بَنَاتِ آَوَى مِنْ بَعِيْدٍ وَتَخْتَنِقُ الْشَّهَوَاتِ فِيْ لَيْلِ الْشِّتَاءِ الْطَّوِيْلُ وَتَشْتَعِلُ الْآَهَاتُ وَتَخْفِقُ قُلُوْبِ عَذَارَىْ الْمَرْجِ الْأَخْضَرِ وَتَتَبَاكىٓ النَّائِبَاتِ عَلَىَ مَجْدٍ غَابِرٍ أَتَمَلْمَلُ قَابِضَا عَلَىَ رِوَايَةِ لْجيمَسَ جَوُيْسْ يَقْرُصُنِي الْبَرْدِ وَالْحَنِيْنُ إِلَىَ لَيْلٍ حَزِيِنْ رَقْرَاقُ جَمِيْلٌ اعْشَقْ الْفَجْرِ الْدَّاهِمِ انْتَظَرَهُ بِمَعِيَّةِ امْرِئٍ الْقَيْسِ عِنْدَ مُنْتَصَفِ الْلَّيْلِ أَتَسَلَّلُ مُتَحَفِّزَا يَدِيَ عَلَىَ زِنَادَ قَصِيْدَةٌ امْرِئٍ الْقَيْسِ اصْعَدْ ارْضَا وَعِرَةٍ تَغَصُّ بِمَتَاهَاتِ وَاخْتِلاجَاتِ وَصَرَخَاتِ قَادِمَةٌ مِنْ قَلْبٍ جَحِيْمٍ دَانَتِيُّ اخْتِلاجَاتِ لَعَلَّهَا صُوْفِيَّةٌ عَلَىَ هَيْئَةِ سَجْعُ عَلَىَ طَرِيْقَةِ بَدِيْعُ الْزَّمَانِ الْهَمَذَانِيُّ حَيْثُ تَدْهَمَّنِيْ كَوَابِيْسَ الْلَّيْلِ افْزَعُ, اصْرُخْ, أُقَهْقِه. انْتَفَضَ قَائِما عَلَىَ رِجْلَيَّ وَقَدْ جَفَّ رِيّقِيّ, اهُوْ شَيْءٍ مِنْ الْتَّجَلِّيَ أَتُوُقُ إِلَىَ جُرْعَةٌ مَاءً يَتَأَمَّلُنِي الْجَمْعِ امْرَأَةً بَغْدَادِيَّةُ عَيْنٌ هَمَجِيَّةٌ شَتْمِ, وَسَبَّ وَرَجَمَ الْكَسَلِ يَحُوْلُ بَيْنِيْ وَبَيْنَ الْمَاءِ انَا فِيْ مَنْأَى عَنْ الْمَاءِ حَيْثُ الْسَّهْلِ اخْضَرَّ هَا هُنَا جَفَافِ الْحَلْقِ أَضْحَىْ رَفِيْقَ لَيَالِيَ الَّتِيْ تَضِجُّ بّسُونِيْتَاتِ شِكْسْبَيرِيّةً تَهْدِمُ أَسْوَارِ الْمَنَامِ عِنْدَهَا تَفْضَحُ ارْتِعَشَاتُ الْجَسَدِ اسْرَارِ الْظَّلامِ

المراة في عصور خلت


قضية مكانة المراة في العصور القديمة تشغل الكثير من الابحاث التاريخية والسوسيولوجية في هذا السياق
اعتقد ان قضية كرامة المراة وحريتها وتنقلها وعملها كانت في العصور القديمة اعلى بدرجات كثيرة من العصو المتاخرة. هذا ما اثبتته المصادر التاريخية المختلفة. القاعدة تقول كلما كان المجتمع رعويا او زراعيا اكثر كانت المراة تتمتع بمكانة اجتماعية اعلى طبقا لاهميتها. هكذا عندما تغيرت انماط الانتاج في اوروبا عقب (الماركسية مثلا) والثورات الصناعية في اوروبا باتت المرأة اقل احتراما ومكانة لأن اهميتها الاقتصادية مقارنة بالرجل قد انخفضت.عدا عن ذلك اعتقد ان الاسلام عبارة عن حضارة اسلامية راقية جديرة بالاحترام ساهمت مساهمة هائلة في تاسيس وتقدم جملة من المعارف الانسانية وشكلت سموا روحيا وفكريا ولكن الى جانب ذلك ينبغي ان ننظر للخطاب الاسلامي ايضا نظرة عقلانية فهذا الخطاب صور ما سبقه بالظلمة والقتامة والجاهلية. ولاشك عندي ان قضية دفن البنات كانت موجودة ولكن هذا ما كان في عائلات فقيرة ولا نعرف عن احصائيات واضحة. ولكن لننظر اليوم كم من النسوة يقتلن احيانا كثيرة في المجتمعات الاسلامية دون سبب الا الجهل والشائعات. وعليه اقول ان الاسلام كايديولوجيا صبغ ما سبقه بصبغة سوداوية قاتمة عمياء(الجاهلية) تاكل الاخضر واليابس طبعا من اجل اسباب دعائية واضحة من اجل النجاح والقضاء على النظام الاجتماعي السابق والحلول في مكانه وهذا امر مشروع كخطاب اجتماعي ديني جديد. الحقيقة هي ان ما يسمى العصر الجاهلي قد انجب اجمل نجباء العرب مثل امرؤ القيس وعنترة وغيرهما الكثير, كما ان شيم الصحراء وقيمها تضرب عميقا فيما سمي العصر الجاهلي.