السبت، 18 ديسمبر 2010

موت المثقف

اذا ما القينا نظرة عامة على الرواية العربية الجديدة واذا ارخنا لهذه الرواية بجيل الستينات في مصر بشكل فضفاض وغير دقيق ومجازف الى حد ما ! فاننا سنجد صورة قاتمة تسود العوالم الروائية, ان الاسى وعدم النجاح في ايجاد اجوبة للاسئلة التي يطرحها هذا الادب ابرز ما يميز الرواية العر بية الجديدة, ففي جيل الستينات تتتجلى الخيبة والياس مما الت اليه اوضاع العالم العربي في النصف الثاني من القرن العشرين ويتضح هذا في روايات محمد البساطي (صخب البحيرة وجوع, مثلا) وابراهيم اصلان (مالك الحزين على سبيل المثال لا الحصر) وصنع الله ابراهيم (نجمة اغسطس, يوميات الواحات, امريكانلي, التلصص) جمال الغيطاني (الزيني بركات) وطبعا لا بد من اقحام اعمال عبد الرحمن منيف (مدن الملح, شرق المتوسط)غيره من الامثلة. في السنوات الخيرة تتابع الرواية العربية التعبير عن القلق الوجودي الذي يعيشه الانسان العربي او اكثر تحديدا المثقف العربي الذي بات عاجزا عن الوقوف امام الاسئلة الصعبة والتعجيزية حول صيرورة الزمن العربي, اسئلة ما زالت تراوح مكانها منذ بداية ما اصطلح على تسميته "عصر النهضة" منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى اللحظة الراهنة, اسئلة تخص الضعف العربي العام, وعدم مجاراة باقي الامم, والدونية المتمثلة في علاقة العرب مع الغرب, وغيرها من القضايا التي ما زلنا نتدوالها منذ قرنين من الزمان. في روايته "تغريدة البجعة" يطلق مكاوي سعيد الحشرجة الاخيرة لمثقف العربي البجعة التي تتهاوى وتسقط تعبر عن حالة التمزق والاضمحلال للمثقف العربي وفقدانه لدوره لا بل يأسه المطلق من مقاومة الاسئلة الصعبة التي يقف قبالتها, لا بل قل التحديات التي تحول دون تاديته ادنى تاثير على محيطه, فالمثقف العربي يقف عاجزا حيال الخراب المهول الذي حل في الدولة العربية, وفي المجتمع العربي ككل,انهيار قيمي تام, ظواهر اجتماعية هدامة كما يصف مكاوي سعيد ظاهرة اولاد الشوارع,  وتخلي  الدولة الوطنية  عن دورها في مقابل تعزيز طابعها القمعي والنفعي وانحسار دورها التنموي والتثقيفي والوطني في بناء مجتمع طبيعي. تغريدة البجعة ما هي الا اعلان عن موت المثقف العربي وربما الاعلان عن الياس المطلق والنهائي من اي امل في بعث احلام النهضة العربية المشتهاة منذ قرون هكذا وعلى نفس الطريقة اقول ان الكتابة العربية الجدية تعبر بشكل عام عن الخيبة والياس من الحداثة في العالم العربي وما هي الا اعلان عن دفن افكار هذه الحداثة في العالم العربي, هكذا نرى ابطال مكاوي سعيد المثقفين يسقطون الواحد تلو الاخر فاحدهم يصبح سلفيا متزمتا واخر صوفيا منقطعا عن العالم واخر يهوي الى هاوية الياس. ختاما اقول وعلى الرغم من نبرة السقوط التي تسم مقالتي ان الكتابة العربية تطورت كثيرا من الناحية الفنية, ان التغيير الهائل الذي احدثه جيل الستينات في انماط الكتابة الروائية جعل الرواية اكثر تعبيرا عن طبقات اجتماعية مهمشة واسمعت العالم اصواتا جديدة مثل : الاطفال, الفقراء, الطلاب, والمثقفين من الطبقات الدنيا, كما ان مجرد اثارة الاسئلة ومراجعة النفس خير من التقوقع والانغلاق على النفس, هل تكمن بارقة امل في هاتي النقطتين الايجابيتين الاخيرتين, تطور الرواية العربية, وطرح اسئلةاكثر عمقا وايلاما, ربما!

السبت، 11 ديسمبر 2010

زوابع وحمرنة

الى متى ستعصف بنا الرياح؟ التراب والغبار من نصيب النقباويين دائما, اتقتصر الزوابع والعواصف على الجغرافيا وحالة الطقس في الصحراء, الا تعتبر حياة البدوي في الصحراء بشكل عام مجموعة زوابع متلاحقة, الاخذ بالثار زوبعة, قرار الزواج والطلاق زوبعة, الكلام والنقاش زوابع وعواصف ورعد وبرق, عدا عن الهجمات فيما بين القبائل والصراعات اللا متناهية.. اليست طبيعة حياتنا زوابع في زوابع, عندما نغضب نثور في وجه الذي يحدثنا وتبدا العاصفة, الثورة, الى اي حد تعكس صعوبة الحياة في الصحراء وشظف العيش هذه الانماط الاجتماعية لحياة اهل الصحراء؟
ولماذا لم تحدث التغييرات في اساليب العيش تغييرا مرجوا في تصرفات سكان الصحراء, فما زالت تعصف بهم رياح الجهل والهيجان انها اسئلة تبحث عن اجابة؟
قبل ان انهي  هذه الافكار التي تتطاير مع الريح التي عصفت بالنقب سحابة هذا النهار من واجبي ان اشير الى ان اجمل وصف عبر عن حياة البدوي وتلك الصدمة, الازمة, الرضة, التي حدثت جراء التغيير في نمط حياته من بيت الشعر الى القصر المنيف, من الحمارة الى السيارة (الحمار حيوان لطيف جدا وافضل من الكثير من البشر ) افضل من فعل ذلك هو المبدع الراحل عبد الرحمن منيف في روايته الخالدة "التيه" احدى روايات خماسية  مدن الملح وهي خماسية تضم خمس روايات كبيرة, الرواية الاولى "التيه" هي من اجمل ما قرات من الادب العربي الحديث وتصف انتقال االبدو في السعودية من حياة البداوة الى حياة الحمرنة (التمدن مثلما حدث للبدو في الخليج) ان وصف منيف لذلك التحول تصاحبه سخرية سوداء تهكمية تقتل ضحكا ومرارة فلله درك يا منيف, وبالمناسبة انصح بمطالعة روايات منيف الاخرى (خاصة "شرق المتوسط).
اخير ساسال سؤلا غير ابه باجابة من احد : هل رايتم مرة بدويا - عربيا - يقرا كتابا في محطة الباص, او في المصرف, او المدرسة او في الجامعة او في الكلية (اتحدث عن كتاب للمطالعة, مطالعة خالصة لوجه الله) انا لم ار شيئا كهذا.. وتستمر الزوابع..

الجمعة، 26 نوفمبر 2010

نظرات

 لي صديق حميم يرغب منذ زمن بعيد ان يصبح روائيا يحاول هنا وهناك, سافر الى امريكا شيكا بيكا تشرد في شوارعها سنة كاملة تصعلك وعانى الامرين من برد وجوع ونقص في الاموال, قبل شهر رايته بعد العودة من امريكا كان خالي الوفاض لا رواية ولا قرش في جيبه فكتبت لاصف حال ذلك المسكين هذه الكلمات التي عبرت عن حزني على ذلك الصديق البائس هذه الرسالة تصف حال ذلك الرفيق الذي بدا دراسته الجامعية مؤخرا وهو الان يدرس الفلسفة في جامعة القدس:

"اختلطت علي الامكنة والازمنة, لم اعد قادرا على التمييز بين المكان والزمان, ابدو كانني فاقد للوعي كما قال لي احد زملاء العمل هذا الصباح, لا لا انا اعرف هذا الشخص الجديد الذي هو انا في الايام الاخيرة. اتعثر في التعبير عن ابسط الاشياء استعمل اكثر من لغة, اعاني الامرين قبل ان ارسو على بر لغة ما, تجدني اتشدق بالانجليزية تارة واهذي بالعبرية طورا واعود اهمس بعربية مكسرة لا تصلح حتى لسوق الخضار تارة اخرى.
ما الذي يجري ؟ اين هو المطر الذي يغسل جراح الروح  ويلامس شغاف القلب .. عدنا للهذيان من جديد. لما لا.
يوم امس كنت في محاضرة في موضوع الفلسفة كنت الوذ الى عالم اخر اكثر امنا علم بوشي او اوبامي (من لسان بوش واوباما).. حطت على كتفي ربة الشعر وكتبت قصيدة عصماء تعبر عما الت اليه احوال مناخ الروح مؤخرا. بين الفينة والاخرى تناهى الى مسامعي صوت المحاضرة تتحدث عن الذوق والجمال حسب الفيلسوف الاسكتلندي الشهير ديفيد يوم.
المهم انني كتبت قصيدة احكي - اهذي- فيها لنفسي عن نظرات الزملاء اليهود الي كانت نظرة تتسم بالتنكر والاستغراب لهذا (انا) الشرقي الاسمر القادم من مجاهل المشرق, طبعا مقابل اولئك "الاوربيين" الحضاريين مع انهم من ابناء عمي المزرحييم القادمين حقيقة وفعلا من مجاهل اليمن ومغاراته والمغرب والعراق ومصر. الا انني طبعا هو الجاهل القادم من المجاهل. يستغربون ما علاقتي وانا الشرقي الارعن بالفلسفة التي هي من نصيبهم هم الاوربيون الانقياء. اجلس اخط بعض الكلمات الغبية حول تلك النظرات .. شكرا لتلك النظرات الاستشراقية العدائية .. كانت سببا في اقتحام شيطان الشعر المكان واستحضار روح وادي عبقر الزمان وولادة القصيدة العصماء"نظرات" والتي لا علاقة لها لا من بعيد ولا من قريب اي  مع نظرات وعبرات مصطفى لطفي المنفلوطي.
المهم في الامر ان المعلقة الجديدة ..هي عبارة عن خرابيش لا اول لها ولا اخر على ورقة لا ادري ما فصلها ولا اصلها دسستها في حقيبتي. عندما وصلت الى الدار عند المساء وقد ارخى الليل سدوله بحثت عن المخطوطة ولكن راحت عبثا كل محاولاتي . ضاعت القصيدة وفقد الشعر العربي القديم احدى درره الثمينة.. اه عدنا الى الهذيا من جديد.. لما لا"

الجمعة، 29 أكتوبر 2010

افتراضيون

قطيعة اخرى حالت ما بيني وبين الكتابة. مرت اشهرعديدة لم الج فيها عوالم هذه المدونة. ايعقل هذا الا يوجد في البؤس الذي يلفنا بين ثناياه ما يحفز على الكتابة. الم تجد شيئا يا عزيزي يستحق طرق باب المدونة الافتراضية ومداعبة!  ازرار الحاسوب وملأ فراغ ما في هذا الخواء الذي يحكم قبضته على منابع الحياة التي كانت تمتاز بالصفاء في ما مضى او هكذا اعتقد او افترض.
اليوم شد انتباهي اول المطر.. للوهلة الاولى فرحت لذلك وقلت انه سبب جيد لمعاودة الكتابة. اجل يحفز المطر على الكتابة. هل يبعث المطر على الفرح؟ ام يبعث على الحزن الاثنين معا على الحزن والفرح تناقض طبيعي, بدر شاكر السياب في رائعته "انشودة المطر" يبهرنا في كيفية كون المطر يبعث على الحزن تارة وعلى الفرح تارة اخرى.
حلت بي الكثير من نوائب الدهر اثناء الغياب المفترض وابان الظهور المفترض. كل شيء اضحى افتراضيا في عصرنا هذا وليس فقط الصداقات والاشخاص  في عهد شبكة الانترنت, اضحينا اشخاصا افتراضيين حتى ونحن نعيش بين اهلينا وعشيرتنا. الا يعتبر النفاق والكذب الذي تحتفل به امكنتنا وازمنتا سببا وجيها لتحولنا الى اناس افتراضيين نعيش في زمان افتراضي في عالم هش.
على هذا النحو الافتراضي الباهت بلا طعم او رائحة يقول المدير الفهلوي: قل كم مرة ظهرت على شبكة الانترنت اقل لك من انا, او كم مرة ظهرت صوري على الشاشة اقل لك ما هو مدى نجاحي.
هذا هو حال المدراء الافتراضيين القابعين في مدارسهم  هذه الايام قابضين على شبكة الانترنت كانهم قابضون على الجمر هذا وكل عام افتراضي وانتم بخير..

الجمعة، 16 يوليو 2010

حفلة العيد الماضي





اليوم احتفلت المدرسة بعيد الاضحى والذي يحل ضيفا على ديارنا بعد يوم واحد... غدا هو يوم عرفة والحج عرفة وكفى...


كان الاحتفال في المدرسة بدون لون او طعم او رائحة... جاء احد المدرسين النجباء وما اكثرهم في زماننا بمجسم مربع الشكل اسودا.. لا ادري من اي ارض اتى به لعله صنعه من الورق المقوى ليمثل الكعبة طبعا لا تشبيه مع الكعبة في مكة.. بينما صعد الحجاج بن يوسف مع جمع غفير من الجند على تلة محاذية للمدرسة وهم يقرقعون على ادوات بين ايديهم مما ذكرني بمسرحية ضيعة تشرين او لعلها مسرحية اخرى لغوار الطوشة, واطلق هؤلاء على تلك التلة جبل عرفة. تخللت احتفالات العيد البهيجة ايضا الهرولة بين الصفا والمروة والطواف وصلاة العيد وغيرها من شعائر الحج ومناسكه .انا كنت مسؤولا عن غرفة مثل فيها الطلاب صلاة العيد... قبل ايام خلت اتيت ببعض الطلاب وطلبت منهم الاعداد للموضوع ..صلاة العيد.. طلبت من احد المدرسين ان يشرح للطلاب عن صلاة العيد ويهيئهم ففعل الاخير وابلى باء حسنا..المهم انني فرشت اربعة بسط حمراء نظيفة على ارض الغرفة امسكت رواية بيد وكاسا باليد الاخرى (قهوة) وجلست على كرسي مريح . وبدات الصفوف تتوافد صفا صفا والطلاب الذي كانوا بمعيتي بداوا بشرح قواعد صلاة العيد كما انهم كبروا وكبر القوم من بعدهم واقاموا  الصلاة تلو الصلاة وهكذا ولى النهار وادبر.. وذكر في الاثر ان الامطار الكثيرة  قد افسدت على القوم عيدهم وقاموا عن قدهم وقديدهم وتركوا نارهم وهي مشتعلة تتلظى. وافسدت الامطار على رواد جبل عرفة نسكهم وولى صاحبنا النجيب تاركا مجسم الكعبة وثلة من الطائفين وقد غرقوا في برك المياه التي تجمعت في ساحة المكان. رطبت الامطار حلوقنا اليابسة من نكد الابالسة ومن الجو الكئيب اثناء الحفل البهيج.. ترك الاولاد موضوع صلاة العيد وقفزوا الى اعلى الطاولات واخذو يتاملون صامتين غضب السماء على الارض ..الامطار تطيح بكل شي يتحرك وتخلق جوا من المرح بين الطلاب والمعلمين وكأن العيد والخرفان لم تكن.. نسي الناس العيد وتفاعلوا مع عيد الارض.. المطر وكفى..

الثلاثاء، 1 يونيو 2010

احتمالات الكتابة

محاولات الكتابة لم تجد. احاول ان اكتب شيئا, لم اتبينه بعد اختلطت علي الامر والجانرات,
اهي قصيدة ام قصة قصيرة ام ابحار عابر على ضفاف مرمرة اه اه.
او لعله تماه بائس مع من كانوا على ظهر مرمرة, لم تعد الاشياء واضحة ذهني مشوش. الاضواء عقدت الامور اكثر لم اعد اتبين الخيط الابيض من الاسود, اعاني من عمى الالوان ايوجد عمى اكثر من هذا .. العمى. او كما قال ساراماغو.
الليل بهيم وهذا العالم بهيم , بهيم الثانية عنيت بها الحيوان اما الاولى فهي الظلام الدامس, ما العلاقة بين الليل البهيم الذي يعني الظلام الدامس مع البهيم الحيوان اثنيهما لا يستطيعان تفسير مآسي الكون.
غلقت الابواب اطفئت الانوار وصرخ الليل في وجهي قائلا : هيت لك. نحيب الكائنات الليلية يحاصر المكان, طيور الليل كما تسميها الجدات.اي الفراشات الصغير التي تتطاير حول السراج في ليالي الصيف الحار, في الطفولة كانت هذه الفراشات ت الطائرة تدور حول مصباح الكاز الذي استعمل كناية عن النور والضوء.. ما احوجنا اليه الان. قلنا ليل بهيم  في عالم  بهيم. والثريا  هي احدى الفراشات التي تدور حول مصباح الكاز وهي تحترق في قلب النور بعد ان تصاب بالحبور انها فراشات ذكرها الغزالي في درسه الصوفي العميق.
الوحدة هي فراشة الليل الوحيدة التي بقيت هنا.  اشتد وهج الصيف لم يتبقى لطيور الليل مكان كما لم يتبقى للجدات زمان  احترق الجميع رحم الله ت.س. اليوت. اليوم اضحى المكان والزمان  ارضا يبابا .

الأحد، 30 مايو 2010

الى صديق

الى صديق:



لا تعبا بما حولك ما عليك الا الجد والاجتهاد واستغلال وقتك في طلب العلم. الا علمت ان الامام احمد بن حنبل كان في بداية حياته كادحا فقيرا يغسل ثياب هذا ويخدم ذاك كما كان ينسخ الكتب للناس ويعمل في القوافل التجارية في اعمال بسيطة. لكنه كان عالي الهمة مجتهدا ونشيطا حتى الف المسند وقد ضم هذا الكتاب 30000 الف حديث. لا تلق بالا لدجاجاتهم وقاذوراتهم الملقاة على عاتق الطريق وعليك بتبوء مكانك بين طلبة العلم والكتابة والتجريب في شتى المجالات, انصحك بافتتاح مدونة على الشبكة ومن هناك تستيطع توجيه سهام نقدك الحادة الى المجتمع الذي تعيش بين جنباته كما تستطيع المجازفة بكتابة ابداعية ادبية مستغلا لقراءاتك في الادب الحديث خاصة الرواية عليك التخلص سريعا من اسلوب الكتابة الكلاسيكية والتحول الى السهل الممتنع من الكتابة عليك باختيار الالفاظ البسيطة والمباشرة دون تضخيم في اختيار التعابير.


عدا عن ذلك اجلس الان امام الحاسوب واقوم بمراجعة بعض الكتابات لتي تعبت على مراجعتها كثيرا, استمع الى اغنية عربية كلاسيكية لعلها شادية. الصوت قادم من بعيد من احد بيوت الحارة الساهرة تحت ضوء القمر.


امس قمنا بتدريب موفق, بذلت جهدا خرافيا مع باقي افراد الكتيبة, قمنا بتمارين صعبة للغاية وبعض  الحركات البهلوانية في الهواء الطلق !! ابشراك بشراك  عما قريب ساصبح احد مقاتلي الساموراي !!!.. غدا ساكون مناوبا ارجو ان تسعفني اللياقة البدنية العالية في السيطرة على الاوضاع الامنية اثناء يوم دراسي طويل طويل ...او كما يقال"طول السنة الرديئة"


السبت، 29 مايو 2010

كتب

في الايام الاخيرة زرت اكثر من معرض للكتاب, الكتب قليلة في هذه الانحاء, ثم شعور بالمرارة يجمد العروق ويبعث على الاسى, كثيرة هي الكتب التي لم اقراها, ثم قائمة كبيرة تزيد كل يوم حتى اضحت تحوي الاف الكتب والمجلدات في شى العلوم والمعارف من شتى اصقاع الارض.
كلما قرات رواية اشعر بفداحة النقص الذي يعتري ثقافتي الضحلة, عند قراءتي لكتاب ساراماغو "سنة موت ريكاردو ريس" ظهرت جليا الثغرة الهائلة فيما يتعلق بقراءة الشعر البرتغالي فانت ان لم تقرا مؤلفات قامة شعرية بوزن فرناندو بيسوا فانت لم تقرا شيئا.
المهم انني اقتنيت ما يزيد عن ثلاثين كتاب من المعارض التي زرت وقد غلب على هذه الكتب الصنف الروائي ذلك الصنف الذي اهوى واحب وافضله على شتى الاصناف الاخرى المدوخة منها وغير المؤثرة على عمل المخ!!
اشتريت عددا لا باس به من روايات ابراهيم نصر الله, وشذرات من الادب العالم ايزابيل ليندي كمثال... وعرجت على الادب النسائي وحصلت على بعض روايات ليلى العثمان. كما اعجبني كتاب رائع اسمه ورد ورماد يحوي رسائل بين محمد برادة والراحل الجميل محمد شكري كتبت في سبعينات القرن الماضي. كم هي عميقة ومعبرة هذه الرسائل. تعلمنا عن جيل تفتحت براعمه على الحزن والانكسار والياس المطلق. ساتابع قراءة هذه الرسائل الان ففي تجارب هذين العملاقين الكثير الكثير من الدروس.

الثلاثاء، 25 مايو 2010

قصة سمير والعيد

لي صديق عزيز ورفيق عتيق اسمه سمير وقد قص علي حكايته مع عيد الاضحى الاخير ساورد هنا قصة سمير مع العيد مع بعض التصرف وتغيير اللغة من المحكية الى الغة الفصيحة.




بدأ سمير حديثه بنبرة يشوبها الحزن الدفين وقال:




هو العيد اذا... عندما ياتي العيد تتحدد معالم الامكنة والنفوس من جديد هي ذكريات غائرة في ثنايا الذاكرة الخؤون, تطفو على السطح من جديد بين حين وحين خاصة عند المناسبات الكبيرة واللحظات الحاسمة والفارقة في مجاهل الصحراء الواسعة التي نقبع بين ظهرانيها... في الليالي الحالمة والعابسة في ان يظهر ذلك الطفل.. انا, اناي, انا .. حيث القلق ينتابني قبل العيد بايام والسؤال الابدي الذي كان يقض مضجع الطفل الوحيد سمير: هل سيشتري ابي لي الملابس الجديدة؟
وتابع سمير:
هل سالبس كما سيلبس الاطفال ام سامضي اياما وليال حزينة اشكو همي الى نفسي الحزينة.. في احدى السنين التي خلت كنت في االثامنة من عمري على ما اذكر, قبل العيد بيوم لاحظت ان والدي يفتقد الى قرش واحد من اجل شراء الملابس الجديدة لي ولاخواتي, في ساعات ما بعد الظهر من يوم الوقفة سالت ابي اين ملابس العيد فاجابني بوجه متجهم : غدا ساسافر الى حران وساجلب لك الملابس ولكنني عرفت في داخلي ان في الامر ثمة خدعة.. جاء العيد بتكبيراته وصباحه الصافي والملائكي ولما تدخل الملابس الجديدة لنا بيتا, بعد ان فركت عيني عرفت الطريق الى حيث يرقد ابي كان يحتسي الشاي ويدخن لفافة من التبغ, كان الجواب ظاهرا على محياه لا لا لن تاتي الملابس في هذا العيد خرجت من عنده اجر اذيال الخيبة والعار والهزيمة .. وكان ذلك عيد تعيسا بكل المقاييس الارضية.. طفل حزين ينعى حظه التعس مر العيد بين دمعة واخرى وانعزال عن الاطفال حتى لا يشمت الشامتون ويسخر مني الساخرون.




ظهر الاسى على وجه سمير وتابع يقول:
بعد ان تقدمت الايام والسنون وتلاشت ظاهرة شراء الملابس الجديدة في العيد من قاموسي الشبابي الذي اضحى ضبابيا ويميل الى الوحدة وشيء من الحزن الصامت الجميل. بت انظر الى العيد نظرة عداء شنيعة اكره الاعياد وما تجلبه من غم وهم وتعب واسفار لا متناهية في اصقاع الارض من اجل زيارة هذا وذاك ومجاملة زيد وعمر من اشقياء الخليقة. كما ذكرت في البدء العيد واجواؤه تجعلني اقف لحظة مع نفسي ..العيد يتطلب الفرح والبشر والانبهار وبشاشة في الوجه والحال كما يعلم القريب والبعيد هي نقيض ذلك تماما وغبي كل الغباء من يتحذلق او يتفلسف طالبا من الناس التفاؤل والضحك حتى تضحك لنا الحياة.. لعمري ان الحياة تسخر منا وتضحك علىينا.. افرح في هذا الهباء .
 
تجهم وجه سمير وتابع حديثه:
في العيد اشعر بفداحة الموقف وبؤسنا المتجذر شريط الاحداث ونوائب الدهر تمر بسرعة من امام عيني فاغمضها خجلا من كل شيء.. من عروبتي ومن دموع ذوي الشهداء في من نهر دجلة الذي غلبه اللون الاحمر القاني كما كان في عهده الاول زمن نالت منا سيوف التتار..ومن ومن ومن...وذرف سمير دمعة تائهة وتابع... واخيرا التحم الجيشان وعلى راسيهما زعق غراب البين ونال اهل مصر من اهل الجزائر ونال اهل الجزائر من اهل المحروسة وهي ايام  نداولها بين الناس بين غالب ومغلوب وقد تربع العربان على راس مغلوبي زمان ونالوا من الهزائم حظا عظيما. هكذا ياتي العيد يضع النقاط على الحروف ويحدد معالم الامكنة والازمنة من جديد, اما البلهاء الذي يقرقعون على طناجرهم وينادون على القمر عند كل مساء وردي حالم فلهم ومن اجل عيونهم وجدت الاعياد لتزرع مسرة وخدرا ابديا في قلوبهم وعقولهم  بهذه الكلمات المسرحية الماخوذة من قاموس الشاعر الساخر محمد الماغوط انهى سمير ذاك الحديث.

السبت، 22 مايو 2010

عوالم الفجر

ليلة البارحة لم الج الى مملكة النوم الا بعد السادسة صباحا, الليل كله لم اقضيه في الصلاة وقراءة القران والتهجد والدعاء وما احوجني الى الدعاء. لا بل طالعت بعض المواقع الادبية حتى الفجر.. القراءة حتى الفجر, اتدرون ما ما معنى ان يقضي الانسان ليله كله حتى تخوم النهار وملامسة اهداب الصباح الجديد وهو منكب على المطالعة ..لن تفلح لغتي في تحديد المعنى الذي ارمي اليه, علي ان اشرب الكثير من طناجر الحليب الدسم والخالي من الدسم حتى اصلح لتفسير هكذا امور معقدة. عند الفجر الذي اقتحم علي ذلك الصفاء تناولت لقيمات اشد بها عضدي  على شرف السحر البهي الذي ادخل الكون في بحر من الحبور والقدسية والطهر الذي لا نشعر به الا في ساعات الفجر الاولى.








قصتي مع الفجر بدات قبل سنة ونيف وبينما كنت افشل في اللحاق بمركبة النوم وبعد منتصف الليل اتناول رواية ما واشق عباب بحرها واظل قابضا على جمرها حتى تظهر معالم الفجر, عندها انتبه واصحو من سكرتي اه المدرسة .. اللعنة ..بعد ساعتين علي ان استعد للذهاب الى الدوام علي ان اكون جاهزا لاكون في مرمى نيران الطلاب ,والمدير وصبابي الشاي والقهوة...فانا مدرس للصبية.. رحم الله الحجاج بن يوسف الذي بدا مسيرته العسكرية معلما للصبية. في احدى احدى ليالي التجلي تلك قرات رواية الراحل الرائع الطيب صالح "مريود" وفي تلك الرواية يعود الكاتب اكثر من مرة الى ثيمة الفجر ويصف العوالم الفجرية في قريته السودانية النائية ويصف علاقته الاسطورية مع جده في ساعة السحر قبالة نهر النيل ومغامراتهما في قلب النهر, الوصف للفجر في تلك الرواية غير علاقتي مع الفجر نهائيا بت اكثر تاملا وتركيزا واندماجا وانسجاما مع الفجر بت اشعر بحالة تجلي صوفية اذ اشعر بالتماهي مع الفجر والانصهار التام في داخل روح الفجر الطيبة والطاهرة واضحى للفجر وقع سحر خاص علي روحي اتامله واهمهم بحشرجة كانني صوفي في ابهى حلله .. الله الله. وفي ليلة قادمة اعدت الكرة وقرات مريود من جديد والتحمت مع الفجر من جديد, وبقي الالتحام قائما حتى هذه الساعة, الغريب انني انصهر مع الاولاد في المدرسة بعد تلك الليالي الفجرية وامرر النهار وانا اشعر بقوة سحرية فجرية غرائبية تمنحني طاقة لا نهائية انها هالة الفجر ونوره المقدس الذي تغلغل الى اعماق روحي ومنحها تالقا وجدانيا لم تعهده من قبل ليلة امس واثناء انتظاري لقداس الفجر وبعد السحور وقبيل تادية صلاة الصبح المفروضة تذكرت الطيب صالح ومريود والشخصية الاسطورية الباهرة" بندر شاه" وهو اسم رواية اخرى للطيب ,ومريود هي نوع من التكملة لرواية بندر شاه وستكون لنا وقفة مع عوالم بندر شاه في حلقة قادمة

الجمعة، 21 مايو 2010

ثمة عودة




ثمة عودة لكتابة هذه اليوميات, بعد الانقطاع الذي لا اعلم له سببا, ثمة عودة عبثية كسولة .. اثناء الغياب فكرت كثيرا في لغتي واسلوب الكتابة الذي انحو, كثيرا ما اتهمني البعض بالمبالغة في استعمال المحسنات البيانية, من تشبيهات واستعارات, وخاصة السجع, وكانني بصدد كتابة مقامة تشبه مقامات بديع الزمان الهمذاني, عندما كتبت بعض القصص القصيرة نصحني البعض بالابتعاد عن اللغة العربية الكلاسيكية, والكتابة بلغة مبسطة. بشكل عام اعتقد ان منتقدي قد اصابوا في نقدهم فانا اكثر من استعمال لغة مزخرفة تحفل بالمحسنات البلاغية والسجع, اعتقد ان كتابتي تضج برطانة بلاغية زائدة عن الحد. ان هذه الرطانة لهي ميزة لكثير من الكتاب العرب  كثيرا ما نقرا مقالات نقدية او مقالات صحافية تحتفل بالبلاغة ولا نكاد حتى نفهم معنى الكثير من المفردات, مثلا هل تذكرون مقالات الكاتب وضاح شرارة, ان بلاغته سرعان ما تتحول الى انتي بلاغة. يدعي البعض ان الرطانة وزيادة عيار البلاغة تضعف النص وتاتي على حساب المحتوى او التنظير, هل البلاغة نوع من التنظير؟




هل كل كتابة تحتفل بالبلاغة هي كتابة ضحلة ولا تفي بالمطلوب؟ ليس دائما!! هل الكتابة البسيطة والمباشرة دائما ناجحة ومعبرة؟ ليس دائما, هذه تساؤلات اطرحها على نفسي في سبيل انتقاد لغتي التي لا تعجبني البتة, اسال نفسي كثيرا لماذا استعمل البلاغة رغم ان اكثر قراءاتي تصب في مجال الرواية والشعر العربي الحديث, اذا ما قارنا بين قراءاتي الكلاسيكية مع قراءاتي الحديثة فسيكون هنالك انتصارا ساحقا للادب الجديد من قصة ومسرح ورواية وشعر. اذا اين الخلل؟


قرات مؤلفات المغربي الراحل محمد شكري اكثر مرة لكي اتاثر من لغته البسيطة والمعبرة والتي عكست نبض الشارع المغاربي في فترة زمنية مصيرية من تاريخ المغرب الحديث تحت الاستعمار الفرنسي. على ذكر القراءة في هذه الايام اقرا الملهاة الفلسطينية للمبدع ابراهيم نصر الله, مجموعة روايات تستحق الحياة.

الخميس، 29 أبريل 2010

شاعر وشيخ














في قلب ظلام كونراد


تتراءى خربشات شاعر


يلتحف اشراقات صوفية


يتامل الزمن الصوفي السيال


يسائل ابن العربي عن الفتوحات المكية


يقبض على تلابيب الشيخ:


ماذا عن مكائد الكلام


ويستفتيه في سرمدية المكان


وخبايا الارواح الشريرة






ينادي الشاعر على صدى الليل الاسيان


يحلم براية بيضاء تتراءى


على اسطح منازل الفلاحين البسطاء


قبل ان تجتاح ثلة من الجند المكان


وتستبيح الزمان


ويستطير الشر, وتزعق غربان..


يراق الدم كما المطر الحزين


وينطق الشجر


يستعمل الشجر لغة الشيخ


وحدة الوجود


يلعق الشاعر جراح الروح


يناى بنفسه بعيدا


يعض بالنواجذ


على منطق الشيخ


يفعل على مضض


الجراح هي الجراح


والمساء هو المساء


والخواء هو الخواء


والمطر الحزين


ومقهى في زقاق عتيق


كؤوس الاسبرسو العامرة


وحسناء المقهى تجول


بين الطاولات تلبي بعض الطلبات


والزبائن يترنحون, في نومهم يعمهون..


تمتزج الازمنة وتقتحم الامكنة


تتداخل الروائح


روائح جثث الاهالي .


تزكم الانوف


بعضها احترق


وبعضها اختفى


والبعض الاخر دفن تحت الانقاض


وثمة من قال ان جيش المغول مثل ببعض الجثث


هذا هو الحال
انه المآل


وتوالى الصدمات


والخيبات


تتعاضد الخيبات وتتناسل الثيمات


ويستمر الشيخ


يهمهم ويتحدث في نزق


والمساء الحزين


كما المطر الحزين هو هو ..


حسناء المقهى توزع الابتسامات


المزيد من الاسبرسو مخلوط باللبن


في الصيف ضيعنا اللبن..


وتتوالى الخيبات


يترنح الزبائن بثقل..


والشيخ يستطرد ويقول


وجع...





الاثنين، 19 أبريل 2010

مساء مضطرب




المشي عند المساء عندما تهجع الكائنات الى امكنتها يساعد الانسان على التحرر من اعباء النهار واوزاره الثقيلة واستنشاق جزيئات من الهواء الطلق بعد ان غادرت الشمس المكان مودعة نهارا اخر من نهارات الصيف الطويلة والحارة جدا, اصوات الاغنام تسمع من بعيد وهي تستعد لتناول العشاء وتحدث جلبة في القرية الوادعة المستلقية على سفح الجبل كانها استقالت من صناعة التاريخ وتقاعدت او هكذا يخيل لبعض عجائز المستشرقين الحالمين بشرق ساكن يرواح مكانه غير عابىء بصيرورة التاريخ ومكر الازمنة ودهائها. في اجواء المساء الهادئة والتي تكون اشبه باجواء جنائزية تختال بين ثنايها الارواح الشريرة القابعة بالقرب من مقبرة القرية, يخرج الشاب الى احد الشوارع ورائحة خبز نسوة القرية تعبق في المكان وتضفي عليها بعدا نوستالجيا رائعا يعود بالانسان الى ايام قد خلت.


كان الشاب يلبس سروالا فضفاضا ازرق اللون وسترة سوداء طويلة الاكمام وحذاءا رياضيا ممزق الاوصال ابيض اللون. كان يمشي بخطوات سريعة وقد اعطاه السروال الفضفاض منظرا مضحكا بسب جسمه النحيل, اذ بدا السروال الشامي العتيق كانه جلباب يخيم على نحالة الجسد المرهق ,تامل مصابيح الشارع التي اضفت على المكان المقفر والخالي من الناس نوعا من الطمانينة, كانت الوساوس تاتي أوكلها في راس الشاب وهو يتامل السكون المريب الذي احاط بالبلدة التي بدات تغطس في الظلام ,تحسس بيده احدى جيوب السروال ,تذكر انه خالي الوفاض, لم يتبق في البيت الا بضع ارغفة, وهو كل طعام العائلة الفقيرة المكونة من ثلاثة اطفال وهو وزوجته الهادئة الحزينة على ما الت اليه حاله من فقر وعوز , فقد فصل الشاب من عمله كحارس ليلي في احدى شركات البناء قبل ثلاثة اشهر ومنذ ذلك الحين لم يات بقرش واحد, اما الغذاء (الخبز والجبن وشيء من الخضروات ) فقد حصلت عليه الزوجة الوادعة الكئيبة من بيت اهلها عندما زيارتهم في الاسبوع الماضي .


لماذا خرج الى الشارع بعد غياب الشمس ؟ يسال نفسه؟ ولا يكاد يحصل على اجابة محددة , الكي يروح عن نفسه قليلا, لينسى همومه والنظرات الكسيرة في عيون اطفاله الذين ذاقوا طعم الحلوى .فيما مضى , ونسوا رائحة اللحم وسواه من الاطعمة الدسمة منذ فصل من عمله, اغرورقت عيناه بالدموع , لماذا حرم من السعادة , اهو المال وفقده الذي حرمه من هذا المنتوج المتخيل, السعادة ذلك الامل الوراق والهش.


قبل الزواج وقبل وتفتح البراعم الثلاثة تخيل عائلة تعيش في بحبوحة من العيش , بيت واسع, سيارة, قطة جميلة وطويلة الشعر , يعبث بها الاولاد ويسقونها اللبن, ولكن لا لبن ولا غيره, الدمع لم يغادر مقلتي الشاب الذي ابطا في سيره, عندما اصبح يحاذي دكانا كيبرا مضاءا وفيه بعض الزبائن يعبئون السلع في اكياس بلاستيكية وهم يضحكون ويتصايحون بمرح ويشربون العصير المثلج.. يتلمظ الشاب اه.. ما الذ العصير المثلج الان ولكن الاولاد , الزوجة, اه.. اه ..., شعر بغصة في حلقه, ووجع في نفسه, انه عاجز عن الدخول الى الدكان والشراء مثل الاخرين, فسيطرده البائع حتما, انه سليط اللسان وسيطالبه بالديون المتراكمة عليه منذ شهور, يمضي بعيدا عن الدكان وهو يلعن الزمن والفقر والزواج والعالم كله ويمني نفسه لو بقي وحيدا بلا زوجة ولا اولاد, ماذا سيحدث لو لم اتزوج ؟ اليس من الافضل ان ابقى عازبا ,من ان اتحمل نظرات الزوجة والاولاد الصغار في انتظار الحلوى والملابس الجديدة, يتابع سيره بخطى وئيدة, يغرق في الظلام والدموع, ينتحي في احد الازقة الخالية من الانارة ,يجلس القرفساء ويطلق العنان لدموعه التي انهمرت بسخاء.


يفتح عينيه بتثاقل , يشعر بالجزع والخوف والعطش الشديد. الماء الماء ... يبعد اللحاف عن وجه يتحسس عينيه! هل يبكي, ,اين الزوجة اين الاولاد.... انه شاب اعزب!!, اللعنة انه كابوس لعين.. اين هي الدموع التي غرق في سيلها قبل قليل, يشرب الماء من كوب كبير على طاولة صغيرة محاذية للوسادة. يلعن الشيطان الرجيم ويتمتم بكلمات غير مفهومة ويدخل الى الحمام للاغتسال والاستعداد للذهاب الى الجامعة وهو يقول في نفسه يا له من كابوس مرعب,انه حلم مزعج حقا ,يستنشق رائحة القهوة التي "تفحفح" قادمة من المطبخ حيث يفطر والديه واخوته, يتجه الى هناك وهو يلوح بيديه في الفضاء ممارسا لبعض التمارين الرياضية قبل ان يصبح على عائلته.

الأربعاء، 14 أبريل 2010

كتاب هارب





يعتريني الامل من جديد عندما ارى طفلا يقرا ويتامل الصور الملونة في قصة صغيرة الحجم وقليلة الصفحات , تكبر في الطفولة وتدغدغني الاحلام الجريئة والمتفتحة وردا جوريا معطرا بدم الغزلان البرية الطليقة في غابات الابداع ومعابد الحرية وجمال الروح الانسانية المتالقة في سماء ابدية الفن وخلوده ,انه الامل فحسب ولكن هيهات هيهات وعبثا تجدي التمنيات وتثمر الصلوات ,ما لي ارى ابنا ء قومي وقد قست قلوبهم واشتدت سواعدهم على الكتب وحامليها . اما مناسبة هذه الكلمات التي تطفو على سطح بحيرة النفس الثائرة والناقمة على حال الكتب وندرة روادها وانصارها في بلاد عدنان وقحطان فهي قصة دارت في زمان وفي مكان ما من خريطة الذاكرة, وفي هذا المقام ساوردها لكم بتمامها وكمالها : اذ اخبرني احدهم وما اكثرهم وقد عض بالنواجذ على طرف ثوبه الناصع البياض وخرج من البلدة خائفا يترقب قومه المتربصين به والناقمين عليه , قال: كنت اجلس في حديقة داري اقرا في كتاب الجفر وقد اعتوتق وذبلت ملامحه واصفرت صفحاته البالية واكل عليه الدهرالمناسف وشرب عليه الكوكاكولا الخالية من جنس السعرات الحرارية !! وقال : فاذا بجمع من الناس وقد اقتحموا علي المكان متوعدين شاتمين بالحجارة ممسكين, وعلى السيوف قابضين والشرر من عيونهم يطير, والشر يقدح منها ويستطير, فقفزت من مكاني مذعورا كمن لسعته عقرب صفراء تخندقت في بواقي القش المتراكم في بيدر الصيف الجائر بحرارته وثرثراته المملة ولياليه الطويلة , وتطايرت في الهواء وقد طار الكتاب هو الاخر من بين يدي وعانق السماء فقلت لهم وقد اشعلو نارا وبداوا يرقصون من حولها على مذبح الكتاب وصاحبه : ماذا دهاكم يا قومي وبني عشيرتي فاجاب كبير ربعهم وقد تمنطق بكرش كبير وفوقه يرقص خنجر مسموم , قال وهو متحفز للانقضاض علي وتمزيقي اربا اربا ورميي للكلاب المسعورة, والتي بدات تنبح حزنا على غياب ضوء القمر: اجننت يا هذا , ثم قال وقد كشر عن انيابه ولوى عنقه الى الامام وصرخ بعنفوان ورفع الصولجان في الهواء وقد سمعت من حوله قرقعة سلاح وضحكات وهمهمات اطلقتها الرياح وما جاورها من اشباح :اراك تمسك كتابا عتيقا ممزق الاوصال, وتقرا فيه مبحرا في عبابه موغلا في اثمك, غير مراع لمشاعر الرعية وحرمة الارض الطاهرة من رجس الشيطان , لا بل تفعلها جهارا نهارا وعلى رؤوس الاشهاد, الم يبلغك حظرنا على استعمال كل انواع الكتب واصنافها ومنع تدوالها واشهارها علانية, وعلى شرائها وبيعها وتصديرها ومقايضتها بالقهوة والشاي والاراجيل المزروعة في كل الامصار والثغور, واقفاص الدجاج المتناثرة على طول الشوارع الرئيسية, في بلداتنا العربية بدلا عن المكتبات والمسارح وتلك الامسيات وغيرها من المنكرات , الا تعلم يا هذا ان الكتب مفسدة عظيمة للناس ,تفسد عقولهم وتذهبها مع الريح ,وتاخذ بالبابهم, وتخرب بيوتهم ولا تعمرها لا بل تهدمها على رؤوس اصحابها بواسطة الجرافات والافكار الجديدة و تحشوها بالفساد وغراب البين, وان امثالك من المثقفين المارقين يهددون سلامة مواطيننا المسالمين الكافين الناس خيرهم شرهم وحافظي ماءهم في سمائهم الى يوم يبعثون, . نظرت في عيني صاحبنا صاحب الكتاب المعلوم والذي طار (الكتاب) مع الريح من شدة رعب صاحبنا وقفزته المشهورة في فناء الحديقة ,عندما هجم عليه افراد العسس والبصاصين كالكلاب المسعورين وقد اسقط في يدي ,غير مصدق ما تسمع اذناي ولا ترى عيناي والتي سياكلهما الدود في مقبرة البلدة الغير مسيجة والمعرضة لعبث العابثين وغنم السارحين وعربدة السكرانين وهمهمات العاشقين الولهانين عند الاصيل وقبل غياب الشمس بقليل. تابعت تلك النظرة البلهاء في عيني صاحبنا التي اغرورقت بدمع مهين ,وقد انعكست دمعة تائهة على سطح القمر الذي اطل من وراء الافق الشرقي بخجل واضفى سحره الفضي المعلق على البلدة . وجللها بالسكون,واكراما لتلك الدمعة السخية والتي انسابت رقراقة تمشي الهوينى على خد صاحبنا وقد عشقها القمر , اسفت وجزعت لتشكيكي في كلامه ونسيت او تناسيت انني اعده من الصادقين , فعاد الى رشده وتمالك عقله وقبض عل زمام الحديث من جديد وتابع قص شريط سيرته عن ذاك المتمنطق بالكرش المستدير, قال صاحبنا واسترسل في السرد : ان ذلك الزعيم ختم كلامه بزيادة في عيار التهديد والوعيد له اذا ما عاد الى فعله المشين من حمل للكتب وتعريض امخاخ العامة لخطر التخريب وتسميم افكارهم بالحبر المراق دمه على الصفحات البيض, واذا فعل ويعلم الله انه سيفعل فسيعلق راسه على اسوار المدينة وسيضرب عنقه في ساحة الشهداء وعلى رؤوس الاشهاد وسيكون هذا مصير كل معتد اثيم على عقول الناس المصانة والمكرمة والمعززة بعيدا عن الكتب ووسوساتها والاقلام وخربشاتها, فقام صاحبنا ولم يتمالك نفسه وطار عقله من راسه وهو يكفكف دمعه ويدفن راسه بين كتبه المكومة في غرفة مزدحمة بالكتب الممزقة والعتيقة وقد احكم اغلاق باب داره خوفا من الزعيم المعربد والمزمجر الذي غادر المكان بعد ان سيطر على الزمان مسنودا على ازناد رجاله العتاة الذين يضمرون العداء للكتب واصحابها وقد وزع صاحب الكرش المشهور منشورا يبشر فيه ابناء البلدة بنيته قطع دابر الكتب من الازقة والحارات ونصب المشانق لحاملي الكتب ومتداوليها وتعليق رؤوسهم المشرئبة الى عل في الساحات العامة وتقطيع اوصالهم والتمثيل بجثثهم.


هكذ وبسماع الخبر خبا الاطفال قصصهم الجميلة في اثواب امهاتهم الفضفاضة الزاهية الطويلة ,ودفن بعض القراء كتبهم في كهف قديم تسكنه الجن والعفاريت, واحرق اخرون ما تبقى لهم (لم يتبق لنا شيء يا غسان كنفاني) من كتب واوراق ومعاجم ونصوص فلسفية كتبها العجم والعرب, ولكن ثمة فرقة ناجية ! اذ فرت قلة قليلة من اصحاب الكتب من بعض الاحياء االمظلمة والمحاصرة بافراد ميليشيات الزعيم , وهم يعضون على اطراف ثيابهم التي تحمي الكتب من رجال الزعيم صاحب الكرش العظيم المتربصين بالكتب وحامليها, وكان صاحبنا احد الفارين الناجين والذي عبر الحدود الى احدى البلدات المجاورة والتي يحمل فيها الناس الكتب سرا وعلانية وعلى قارعة الطريق وفي الحافلات والقطارات وعلى ظهور البغال والحمير, ويقراون بحرية ودونما مضايقة من العسس والبصاصين وعيون المحتسب في تلك البلدة الامنة المطمئنة.

هواجس القراءة الاولى

هواجس القراءة الاولى


في هذه الايام اجد نفسي منكبا على مطالعة عدد من الكتب في آن واحد. فانا اقرأ في كتاب "فن الشعر" لبورخيس كما اقرا في كتاب "الوصايا المغدورة "لميلان كوندير بالاضافة الى كتاب "سباق المسافات الطويلة " لعبد الرحمن منيف وكتاب اخر هو " ظل الغيمة" لحنا ابو حنا .


لماذا هذا الابحار في عباب محيطات الكتب وبحارها ,ولماذا لا اختار كتابا واحدا والقراءه فيه بروية وتمهل كما يفعل الاسوياء اذا كان اصلا هناك اسوياء بكل ما يتعلق بعملية القراءة ؟


هنا بالذات تحضرني كلمات الكاتب الارجنتيني العظيم خورخي لويس بورخيس حول القراءة والنص , طرح بورخيس وهو يعتبر القارىء الاكبر الكثير من الاسئلة كما فعل غيره قبله وبعده من المهتمين بالقراءة حول تلك العملية السحرية للقراءة وعلاقة القارىء بالنص وقد اكبر بورخيس من شأن القارىء حتى انه جعله في مرتبة اعلى من الكاتب فكما يقول بورخيس ان الكتاب كثير لكن القارىء الجيد نادر الوجود .في هذا السياق لا اريد ان اطنب في وصف عملية القراءة وعن علاقة الود او العداء السافر بين القارىء والنص اذ يبدو لي انه لا يدخل النهر شخص مرتين ولا يقرا شخص كتابا مرتين, فعند القراءة الاولى تتحدد علاقتنا مع النص ونتخذ موقفا مرة حاسما وتارة اخرى متخاذلا من السطور الممتدة امام ناظرينا " ماذا مع المؤلف هل ما زال حيا !!


القراءة الاولى لكتاب ما مثلها مثل رعشة الحب الاولى مثل الارض العطشى عند اول المطر, لا استطيع مهما حييت نسيان انصهاري الكلي واللانهائي في الكتاب عند قراءتي الاولى .


لا بل اكثر من ذلك حاولت كثيرا ان اعيد قراءة كتاب ما فلم انجح قط.. يبهرني الكاتب بعوالمه واهوائه مهما كانت غرائبية او جنونية . عند اول لقاء اتماهى تماما مع ابطال الكاتب اوافقه واعارضه واقارعه في ما يقول اشعر بفرح جنوني استدعي ابطال الاساطير كلها اهيم وجدا باطياف الكتاب السحرية اتماهى معه وافقد خصوصيتي وثقافتي وهويتي .. واستعير هوية وروحا جديد من كاتب النص .. لكن ان يعود هذا الوجد الاخاذ بالكتاب بعد قراءته الأولى فهيهات هيهات....


الان وعلى وقع كلماتي السابقة والصاخبة الى حد ما اعود بذاكرتي لسنوات خلت عندما قرأت اجمل روايات الكاتب الكولومبي الشهير غابرئيل غارسيا ماركيز افضل من كتب رواية في التاريخ الانساني قاطبة واسم الرواية "مئة سنة من العزلة" ذلك الكتاب الساحر لصاحب المدرسة الواقعية السحرية في ادب امريكا اللاتنية الذي استطاع ان يبهر العالم بهوياته واطياف ثقافاته الملونة والمختلفة تحت لواء الرواية وردائها الملون الجميل بشخصياتها الاسطورية التي تنفلت من ربقة الزمن وتعيش في حيز اسطوري وسحري يختصر المسافات ويعلن انتصار الانسان ببساطته وبلفافات تبغه ومرحه الطفولي, بحكايات العشق ومغامرات الانسان الحالم بعالم اخر متحرر من الالات العصرية المقيتة ودقات الساعة الرتيبة, عالم بهيج يضج بصياح ديكة بلدة مكاندو الاسطورية عند الفجر واصوات البهائم عندما يحلبها القرويون قبل ان يستيقظ الجميع" واغاني الرعاة واصوات الصبية المتناهية من اخر البلدة, واستعراضات الحركات اليسارية في ادغال امريكا اللاتنية, انها عوالم ماركيز الخلابة والمحرضة على الفرح .


ماركيز الذي عمم بساطة ثقافة موطنه بما تحويه من قصص وارواح شريرة تطوف شوارع البلدة بعد مغيب الشمس بقليل, هذه العوالم والحكايات الجميلة وعروض السيرك وقوافل الغجر التي تعرض بضاعتها في شوارع البلدة وتقترح قراءة الكف على المارة من العاشقين الباحثين عن ملاذ لوجدهم .


هذ الاجواء المحلقة والبديعة الساحرة لا تنفك عن ملاحقتي وتملك حيزا من ذاكرتي لهذا ازمعت على معاودة قراءة رواية ماركيز من جديد لكنني لم انجح في عبور الصفحة الخامسة من الرواية رغم تاثري البالغ بها وهي اعظم ما قرأت من روايات, وعلاقتي مع القراءة تفوق العشرين عاما ونيف. ان عجزي عن قراءة هذه الرواية الرائعة مرة ثانية نابع من عمق التجربة الاولى ونضجها, القراءة الاولى التي حتما تطغى على كل قراءة اخرى لا بل تتفرد كليا بذهن القارىء وتحدد علاقته بالاشياء عامة وبعوالم الرواية ذاتها خاصة .


اعود الى سؤالي الاول لماذا اقرأ كثيرا في هذه الايام؟ لا اعرف اجابة واضحة او محددة, ربما لشعوري المتعاظم يوما بعد يوم من تقصيري في المطالعة اقول لنفسي عندما اخلو بها عندما يتهادى القمر في مشيته من عل, القمر ذلك الرب الرخامي المعلق كما اخبرني نزار ذات مساء صيفي جميل عندما جلسنا مع دواوين الشعر على سقف احد بيوت القرية التي تجاور القمر, اقول لنفسي: علي ان اصل الليل بالنهار حتى ااسدد ديني للمطالعة, علي مجاهدة نفسي وسرقة اللحظات كما تسرق النار المقدسة حتي اقرا المزيد واغوص في اكبرمحيط من الكتب لعلي اسدد شيئا من ديني لكتاب عظماء ما زالوا ينتظرون اجتماعي الاول بهم ويرغبون في حوار دافىء معي , علنا نجلس معا حول الموقد في الشتاء البارد نشرب الشاي وندخن لفائف التبغ التي يتقن صنعها القرويون ,نغني للمطر ونتبادل النكات ونتذكر من مات من اطفال المخيم قبل ايام.


لكن ثمة سر دفين لماذا اقرأ اصلا ؟ ولماذا يقرأ الناس؟ هذا سؤال اخر يلح علي كثيرا لكني الان محاصر بالكتب المكدسة, كدت اقول المقدسة ساهيم فيها على وجهي سافتحها فتحا مبينا وساقراها حتى اخر حرف وبعدها ساتصدى لهذا السؤال المباغت .

الجمعة، 9 أبريل 2010

عندما تستلقي الايائل!!


تَسْتَلْقِيَ الأَيَائِلِ فِيْ حِضْنِ الْوَادِيْ الْسَّحِيْقِ وْتَتَنَاهَىْ أَصْوَاتِ بَنَاتِ آَوَى مِنْ بَعِيْدٍ وَتَخْتَنِقُ الْشَّهَوَاتِ فِيْ لَيْلِ الْشِّتَاءِ الْطَّوِيْلُ وَتَشْتَعِلُ الْآَهَاتُ وَتَخْفِقُ قُلُوْبِ عَذَارَىْ الْمَرْجِ الْأَخْضَرِ وَتَتَبَاكىٓ النَّائِبَاتِ عَلَىَ مَجْدٍ غَابِرٍ أَتَمَلْمَلُ قَابِضَا عَلَىَ رِوَايَةِ لْجيمَسَ جَوُيْسْ يَقْرُصُنِي الْبَرْدِ وَالْحَنِيْنُ إِلَىَ لَيْلٍ حَزِيِنْ رَقْرَاقُ جَمِيْلٌ اعْشَقْ الْفَجْرِ الْدَّاهِمِ انْتَظَرَهُ بِمَعِيَّةِ امْرِئٍ الْقَيْسِ عِنْدَ مُنْتَصَفِ الْلَّيْلِ أَتَسَلَّلُ مُتَحَفِّزَا يَدِيَ عَلَىَ زِنَادَ قَصِيْدَةٌ امْرِئٍ الْقَيْسِ اصْعَدْ ارْضَا وَعِرَةٍ تَغَصُّ بِمَتَاهَاتِ وَاخْتِلاجَاتِ وَصَرَخَاتِ قَادِمَةٌ مِنْ قَلْبٍ جَحِيْمٍ دَانَتِيُّ اخْتِلاجَاتِ لَعَلَّهَا صُوْفِيَّةٌ عَلَىَ هَيْئَةِ سَجْعُ عَلَىَ طَرِيْقَةِ بَدِيْعُ الْزَّمَانِ الْهَمَذَانِيُّ حَيْثُ تَدْهَمَّنِيْ كَوَابِيْسَ الْلَّيْلِ افْزَعُ, اصْرُخْ, أُقَهْقِه. انْتَفَضَ قَائِما عَلَىَ رِجْلَيَّ وَقَدْ جَفَّ رِيّقِيّ, اهُوْ شَيْءٍ مِنْ الْتَّجَلِّيَ أَتُوُقُ إِلَىَ جُرْعَةٌ مَاءً يَتَأَمَّلُنِي الْجَمْعِ امْرَأَةً بَغْدَادِيَّةُ عَيْنٌ هَمَجِيَّةٌ شَتْمِ, وَسَبَّ وَرَجَمَ الْكَسَلِ يَحُوْلُ بَيْنِيْ وَبَيْنَ الْمَاءِ انَا فِيْ مَنْأَى عَنْ الْمَاءِ حَيْثُ الْسَّهْلِ اخْضَرَّ هَا هُنَا جَفَافِ الْحَلْقِ أَضْحَىْ رَفِيْقَ لَيَالِيَ الَّتِيْ تَضِجُّ بّسُونِيْتَاتِ شِكْسْبَيرِيّةً تَهْدِمُ أَسْوَارِ الْمَنَامِ عِنْدَهَا تَفْضَحُ ارْتِعَشَاتُ الْجَسَدِ اسْرَارِ الْظَّلامِ

المراة في عصور خلت


قضية مكانة المراة في العصور القديمة تشغل الكثير من الابحاث التاريخية والسوسيولوجية في هذا السياق
اعتقد ان قضية كرامة المراة وحريتها وتنقلها وعملها كانت في العصور القديمة اعلى بدرجات كثيرة من العصو المتاخرة. هذا ما اثبتته المصادر التاريخية المختلفة. القاعدة تقول كلما كان المجتمع رعويا او زراعيا اكثر كانت المراة تتمتع بمكانة اجتماعية اعلى طبقا لاهميتها. هكذا عندما تغيرت انماط الانتاج في اوروبا عقب (الماركسية مثلا) والثورات الصناعية في اوروبا باتت المرأة اقل احتراما ومكانة لأن اهميتها الاقتصادية مقارنة بالرجل قد انخفضت.عدا عن ذلك اعتقد ان الاسلام عبارة عن حضارة اسلامية راقية جديرة بالاحترام ساهمت مساهمة هائلة في تاسيس وتقدم جملة من المعارف الانسانية وشكلت سموا روحيا وفكريا ولكن الى جانب ذلك ينبغي ان ننظر للخطاب الاسلامي ايضا نظرة عقلانية فهذا الخطاب صور ما سبقه بالظلمة والقتامة والجاهلية. ولاشك عندي ان قضية دفن البنات كانت موجودة ولكن هذا ما كان في عائلات فقيرة ولا نعرف عن احصائيات واضحة. ولكن لننظر اليوم كم من النسوة يقتلن احيانا كثيرة في المجتمعات الاسلامية دون سبب الا الجهل والشائعات. وعليه اقول ان الاسلام كايديولوجيا صبغ ما سبقه بصبغة سوداوية قاتمة عمياء(الجاهلية) تاكل الاخضر واليابس طبعا من اجل اسباب دعائية واضحة من اجل النجاح والقضاء على النظام الاجتماعي السابق والحلول في مكانه وهذا امر مشروع كخطاب اجتماعي ديني جديد. الحقيقة هي ان ما يسمى العصر الجاهلي قد انجب اجمل نجباء العرب مثل امرؤ القيس وعنترة وغيرهما الكثير, كما ان شيم الصحراء وقيمها تضرب عميقا فيما سمي العصر الجاهلي.

الثلاثاء، 30 مارس 2010

حوار مع الناقد المغربي محمد برادة

حاوره: سعد أبو غنام وشاهر عجمي، (نشر الحوار في جريدة السفير - لبنان)



محمد برادة المغربي الذي قضى حياة جمع فيها النضال السياسي والنقد الأدبي، والذي كان في عهد الاستبداد الملكي رئيساً لاتحاد الكتاب المغاربة، يعيش الآن في فرنسا بعد أن تنقل بين القاهرة والمغرب وباريس ولا تزال القاهرة موطن ذكرياته الأقرب. محمد برادة لا يزال الناقد الملحاح، ولكنه منذ عهد بعيد أضاف الى مهنة الناقد مهنة الراوي، وكان نصيبه من الرواية مهماً مثل نصيبه من الشعر. والآن وقد قعد عن النضال، لا يزال في باريس يواصل مهنتيه النقد والرواية ويطلع علينا من حين إلى حين بدراسة لافتة، أو برواية يغرف فيها من معين ذاكرته المغربية. معه كان هذا الحوار:

في نصوصك الروائية المختلفة نلاحظ عن كثب الامتداد الموضوعاتي اي الاشتغال على نفس الموضوع في اكثر من نص ونسوق على ذلك مثالا : مواضيع الذاكرة والحب والمرأة. ما هو تفسيرك للتعدد الموضوعاتي في رواياتك؟

لا اظن انني كتبت في نفس الموضوع، لأن رواياتي تتناول فضاءات مختلفة وتتحقّق عبر اشكال متباينة… الاّ ان هناك اهتماماً بأسئلة تتصل بالذاكرة والحب والجنس والموت، لأنني عندما كتبت اول رواية كنتُ اقترب من سن الخمسين وكانت معضلة العلاقة بالزمن تحتل الجزء الأكبر من اهتمامي. والتساؤل عن العلاقة بالزمن هو في الآن نفسه تساؤل عن العلاقة بالموت والجنس والذاكرة. ومن ثم اوْليتُ اهتماماً للطريقة التي اكتب بها ذاكرتي من خلال فضاء روائي وشخوص ولغة معينة، مُتطلعاً الى القبض على ما اعتبره جوهرياً في الأزمنة التي عشتها. وهنا كان لا بد من الاختيار: اما اعادة استنساخ ما يسمى بالواقع وفي ذلك افقار له، وإما الاتجاه الى البحث عن طريقة لكتابة الذاكرة كتابة تعتمد الحذف والإضافة والتخييل، وتستحضر ما يضيء الواقع ويُغنيه… وقد اخترت الطريقة الثانية لأنها تسمح بالتحرّر من الواقعية الحرفية وتفسح المجال امام الابتداع والإبداع. الكتابة عندي عملية ذهاب وإياب بين التذكُّر والنسيان، بين الملاحظة والحلم، بين المعيش والمُتخيل… والتعدّد الموضوعاتي ناتج عن هذا المزج بين عناصر الواقع واللاواقع، لكن هناك اسئلة مشتركة داخل النصوص التي كتبتها، وهي تلك التي تسعى الى اعادة تملُّك الزمن المُنصرم واستيعاب محتواه، وبذلك تغدو الكتابة بمثابة تعويض لذلك الزمن الهارب باستمرار من بين اصابعنا.


الأديب المغربي محمد برادة محكيات صيف لن يتكرر يحتفل بفضاءات مدينة القاهرة في ازهى لحظاتها انطلاقا من سحر اللغة المصرية والنكت وصولا الى الحقبة الناصرية التي تمثل صعودا قوميا عربيا اوحى لجيلك ان بإمكانهم امساك النجوم بأيديهم وتحقيق احلام العروبة المصاحبة، امر ثقافي ذو بعد قومي اليوم وعلى ضوء تجربتك الحافلة بالبحث والكتابة والعمل السياسي كيف تسترجع تلك الحقبة مقارنة مع حالة الركود التي تشهدها اليوم الدولة المدنية في مصر وبؤس الثقافة في هذا البلد الذي ترسخ في الذهن الجمعي العربي كمعقل للأدب والفكر العربي.

طبيعي ان تمر المجتمعات بفترات متفاوِتة من حيث الازدهار والتعثُّر، لأن مشكلة التوازن والانخراط في العصر تواجه مجموع الحضارات والثقافات… والحضارة المصرية عرفت فترات ازدهار وتأَلُّق خالدة في العهود الفرعونية. وفي مطلع القرن العشرين، عرفت مصر نهوضاً لافتاً للنظر من خلال مقاومتها للاستعمار البريطاني وتشييدها لأُسس ثقافة عربية حداثية، ولاقتصاد وطني اقتَرنَ بمشروع طلعتْ حرب والطبقة البورجوازية الناشئة انذاك؛ بل ان النظام الديمقراطي كان قد ارسى تقاليده الأولى. لكن الاستعمار من جهة، وقيام اسرائيل على ارض فلسطين مُعضّدة من بريطانيا والغرب، ادّيا الى اجهاض وعرقلة المشروع النّهضوي الذي كانت مصر تقوده… وعندما وصلت اول مرة الى مصر، وأنا في السابعة عشرة من عمري سنة ,1955 صادفت لحظة تاريخية نادرة، حيث ان الثورة الناصرية كانت ترسم افقاً جديدا لمقاومة فساد الملَكية والأحزاب، والتصدي للاستعمار وتواطؤ اسرائيل معه ضد حقوق الفلسطينيين والعرب. من ثم، كانت كل الآمال تبدو لي ولجيْلي دانية القُطوف. وحين كتبت «مثل صيْف لن يتكرر»، حرصت على ان استحضر عبر المشاهد والفضاء والكلمات والمغامرات، نكهة تلك الحقبة التي هي فترة انتقالي من المراهقة الى الشباب، ومن مناخ المغرب الى شساعة مصر المُلوّنة بالأفلام والأغاني والقصص والروايات. فعلاً، كانت اقامتي في مصر طوال خمس سنوات بمثابة عتَبة نقلتني الى فضاء مغاير في اللغة والعلائق والمعرفة والوعي. لكن ما كتبتُه يظل متصلاً بقيم جمالية ـ أدبية وبغامرة تسعى الى كتابة الذاكرة في تعرُّجاتها ومتاهاتها. وهذا قد لا يتعارض مع مَنْ يريد قراءة «مثل صيْف… » في وصفها شهادة عن فترة من حياة مصر.

محمد شكري

الراحل محمد شكري عندما يذكر الاسم محمد شكري عادة ما يحضر اسم آخر هو محمد برادة. كيف لك ان تصف لنا علاقتك بكاتب من طراز محمد شكري؟

علاقتي بالمرحوم محمد شكري هي علاقة صداقة وتواطؤ في مجال الأدب. منذ تعرفت عليه في سنة 1971 والحوار مستمر بيننا، لأنني وجدتُه ناضجا في تفكيره، مجدّدا في كتابته، مجرّبا لخبايا الحياة وأسرارها… وعلى رغم اختلافات بيننا في طريقة العيش وتحليل الأوضاع السياسية، فإن صداقتنا ظلت قوية ومُسترسلة الى حين وفاته. لقد كان مؤنساً في جلساته، متفتحاً على الآخرين، مُقبلاً على الحياة. ومن ثم فإن صداقتنا كانت تغتني من الاختلاف ومن التواطؤ تجاه ضرورة التجديد والجرأة في الإبداع.

يحتفي محمد شكري في كتابه الخبز الحافي بمدينة طنجة المغربية وبعوالمها رغم انها مدينة فقيرة بكل المقاييس في الوقت الذي وصفها فيه شكري كما ان كثيرا من الادباء الأوروبيين وغيرهم من ادباء العالم ينجذبون الى طنجة هل سحرهم شكري بهذه المدينة؟ ما هو السرالذي تخبئه مدينة طنجة؟

كان شكري يحب مدينة طنجة من اعماقه، لأنها المدينة التي فتّحت وعيه ووفّرت له اكتشاف متع الجنس والموسيقى الكحول… وطنجة التي سحرتْه هي طنجة الدولية في الثلاثينيات والأربعينيات، والتي كانت آنذاك مزدهرة ومختلطة ومعبرا قريبا من اسبانيا وأوروبا. لذلك عندما نتحدث عن طنجة، لا بد ان نستحضر تلك الصورة الأسطورية التي اكتسبتْها في الفترة الدولية والتي جعلت الكُتاب والفنانين العالميين يتوافدون اليها. لقد اقترنت في الأذهان بفضاء الحرية والتقاليع وممارسة الدعارة والمتاجرة في الأسلحة والمخدرات، وشبكات الجاسوسية؛ اي ان طنجة كانت تجسد صورة مصغرة لبعض العواصم العالمية الكبرى، وفي الآن نفسه تقدم للزائرين نمط العيش المغربي بتقاليده ومطبخه اللذيذ… طبعا عرفت طنجة تحولات كثيرة بعد استقلال المغرب سنة ,1956 وفقدت الكثير من ملامحها الأسطورية، الاّ انها تحافظ على موقعها الجغرافي المُميّز، وعلى بعض التقاليد الكوسموبولتانية.

محمد شكري اسم أدبي مغربي وعربي وعالمي بارز لكنه اشكالي تدور حوله جدالات وسجالا كثيرة في المحافل الادبية حتى بعد وفاته ما زال يشغل الناس حتى اشيع بعد وفاته انه لم يكن صادقا عندما كتب في الجزء الثاني من سيرته الذاتية زمن الاخطاء انه تعلم القراءة في سن العشرين هل اضافت اشكالية شكري وغرابة اطواره وعبثيته الى رصيده الادبي وحولته الى شخصية مركبة يصعب على المرء معرفة خباياها؟

ليس صحيحاً ما اشاعه معلم قديم لمحمد شكري، بعد موته، من انه لم يكن هو الذي كتب نصوصه وأنه تعلم قبل سن التاسعة عشر… لقد قرأت كثيرا من مخطوطات شكري بخط يده، كما انني اتوفر على عدد من رسائله، وكل ذلك يثبت انه كان يتقن اللغة العربية ويعرف جيدا النحو والإملاء ولا يرتكب اخطاء في الكتابة… وهو لم يكن عبثياً، بل كان يحب الحياة ويقبل عليها بنَهَم، ويستوحي تجربته وفلسفته الخاصة في ما يكتبه. والذين ارادوا تشويه سمعته بعد موته هم جبناء لأنهم لم يمتلكوا الشجاعة لانتقاده عندما كان لا يزال على قيد الحياة.

الكتابة هي تعبيرعن تناقضات عديدة ومتباينة داخل النفس البشرية وترجمة ثقافية واجتماعية لمجتمع ما هل يطابق هذا التعريف مفهومك للإبداع الروائي؟

من الصعب ان نعطي للكتابة تعريفاً واحداً، لأنها تنتسب الى مجالات متعددة :نفسية وثقافية واجتماعية ولَعِبيَّة… وعلى رغم ان الكتابة تستعمل اللغة فإن المبدع يحرص على ان يُبلور لغة خاصة به. وأظن ان الكاتب ـ مع تقدُّم تجربته ـ يدرك ان الكتابة لا تخضع فقط لإرادته، وأن لها منطقها الخاص الذي يتمرد على مقاصد الكاتب نفسه. صحيح ان الكاتب ينجذب الى التعبير عن تناقضات الحياة وتجلياتها المختلفة، الاّ انه يظل مشدوداً اكثر الى فهْم ذاته واستكناه اسرارها وغوامضها. من ثم فإن الكتابة هي قبل كل شيء، تذْويـت للتجربة التي يعيشها الكاتب، اي محاولة لإضفاء فهمه الخاص ومشاعره المتفردة على ما عاشه في حياته الخاصة وأيضاً مع الآخرين.

في السنة الجامعية الأولى لك بجامعة القاهرة كتبت قصتك القصيرة الأولى واستحضرت من خلالها مدينة فاس القديمة مرتع الطفولة وبعد العودة الى المغرب سنة 1960 انغمرت في العمل السياسي والثقافي وعملت على انشاء اتحاد الكتاب المغاربة والتدريس في الجامعة وانقطعت عن الكتابة طوال عقدين من الزمن، في تلك الفترة كنت مشدودا الى الحاضر ويراودك حلم التغيير الان وهنا ،ما الذي غير وجهتك وأعادك الى ميدان الكتابة هل عدت الى الواقع من خلال الإبداع الروائي والبحث والترجمة ،هل هو لجوء الى الذاكرة وحرية الكتابة واستحضار ماض جميل زاه بعيد عن خيبة الأزمنة الجديدة في حياة الإنسان العربي؟

في الحقيقة لم انقطع عن الكتابة عقديْن من الزمن، بل كنت اكتب دائماً في فترات متقطعة وكنت اعتبر نفسي مثل رسامي يوم الأحد. وخلال سنوات كنت اكتب في الصحافة باسم مُستعار، وأحيانا اكتب نصوصاً ثم اُمزقها… لكنني لم اكن متفرغا للكتابة نتيجة انشغالي بالتعليم في الجامعة وممارسة النضال السياسي والثقافي. في بداية الكهولة، قررت ان اكتب بكمية اكثر وبانتظام لأنني اقتنعت ان الكتابة لا يُعوضها نشاط اخر، وأنها تسمح بحرية اوسع في التعبير عن تجربتنا الحياتية تعبيراً جمالياً اكثر عمقاً ونفاذاً. بطبيعة الحال هناك فرق بين الفعل المباشر والفعل من خلال الكتابة، وأحدهما لا يغني عن الآخر. ومعلوم ان العمل السياسي معرض للتعثر ولكن ذلك لا يُلغي ضرورته؛ بينما الكتابة توفر مساحة اوسع من حرية القول والتخييل. الى جانب ذلك هناك مشكلة السن، فمع تقدم العمر لا يستطيع الإنسان ان يستمر في النضال وأن يغفل التأمل في ما عاشه والكتابة عنه اذا توفّر على الموهبة… أما خيبة الآمال فهي مسألة ملتصقة بالحياة والمبدع لا يستطيع ان يطمئن الى التفاؤل الكاذب. وروعة التجربة تتمثل في جانبيْها العملي والتأملي، السياسي والإبداعي.

في كتابك «فضاءات روائية» تعالج مراحل وملامح الرواية العربية في مائة السنوات الأخيرة. كيف ترى الرواية العربية اليوم؟

عمر الرواية العربية لا يتجاوز المئة سنة الاّ قليلاً؛ ومع ذلك استطاعت ان تكتسب مكانة راجحة في الأدب العربي الحديث، لأنها استوْحتْ التحوّلات المتسارعة التي عرفتها المجتمعات العربية في هذه الحقبة، واستطاعت ايضاً ان تُطوّر ادواتها الفنية وأشكالها التعبيرية. والشيء اللافت في الإنتاج الروائي العربي، على امتداد الأقطار من دون فرْق بين مركز ومحيط، هو ان الخطاب الروائي قائم على النقد والنفاذ الى عمق المُعضلات والأسئلة: خطاب الرواية ليس مجاملاً ولا مسانداً للسلطة، بل هو يتغلغل في صلب المجتمع ويبتدع لغة جريئة متعددة المستويات والأصوات، لأجل التقاط الصراعات والسلوكات والفضاءات المختلفة. وعلى رغم الرقابة، استطاعت الرواية العربية ان تفرض صوتها في الداخل والخارج، وأن تتبوَّأ مكان الصدارة بين القراء.

في كتابك «فضاءات روائية» تعتبر رواية عبد الرحمن منيف «سباق المسافات الطويلة» ورواية سليم بركات «فقهاء الظلام» ورواية غادة السمان «كوابيس بيروت» روايات مهمة تقارنها بروايات عالمية اثرت على الابداع الروائي وترجمت الى لغات كثيرة مثل «مائة سنة من العزلة» لماركيز و«مادام بوباري» لفلوبر. ما هو الأساس لهذه المقارنة؟

اعتقد ان القراءة المقارنة للروايات العربية والعالمية هي قراءة مضيئة وممكنة، على اساس ان شكل الرواية منذ التجارب اليونانية الأولى، مُروراً بألف ليلة ودونكشوت، ووُصولاً الى الرواية الجديدة في فرنسا وأمريكا اللاتينية والبرتغال والعالم العربي، هو شكل مفتوح اسهمتْ جميع الثقافات في اغنائه والإضافة الى مُكوّناته. ومن ثم اصبحت الرواية شكلاً كوْنياً قادراً على تجسيد اسئلة الحداثة ومُعضلاتها في هذا العصر المطبوع بالقلق والاستلاب والعنف والخوف… وهي سمات مشتركة بين الشرق والغرب مع اختلاف في التفاصيل والمستويات. والروائيون العرب الذين ذكرتهم، إلى جانب آخرين، قراوا عيون الروايات العالمية وتفاعلوا معها، ولذلك يمكن ان نجد في نصوصهم وجوه التقاء وتقارب مع نصوص روائية عالمية اخرى. وأساس المقارنة يشمل الشكل والأبعاد الإنسانية المُت-تخطية للمستوى المحلّي.

شطحات استشرافية

قال الناقد صبري حافظ ان روايات عربية ترجمت الى اللغة الانجليزية وقد لوحظ ان هذه الكتابات موجهة الى القارئ الاروبي اكثر من القارئ العربي من خلال تصويرها للمجتمعات العربية كمتخلفة وثابتة وبعيدة عن الحداثة بكلمات اخر تصف هذه الكتابات المجتمع العربي كما يتصوره الانسان الاوربي بما في ذلك التصور من شطحات استشراقية. الا ترى هذا الرأي معمما وغير منصف للادب العربي المترجم للغات الأوروبية اذا ما تحدثنا عن ابداعات الياس خوري وجمال الغيطاني وعبد الرحمن منيف ومحمد برادة وغيرهم؟

اظن ان الناقد صبري حافظ يقصد بعض الروائيين الذين يسعون الى فرض انفسهم على الترجمة عن طريق الكتابة في موضوعات تستهوي صحافة الإثارة التي تترصد عيوب المجتمعات العربية لتشنِّع بها… وهناك ايضا دور نشر اجنبية تبحث عن نصوص تتناول موضوعات الجنس والتزمت الديني، لتجذب القراء. لكن هناك روائيون يتناولون هذه الموضوعات من زوايا عميقة وفي اشكال فنية مقنعة. وأظن ان الترجمة الى اللغات الأجنبية لا تخلو من مشاكل لها علاقة بمعرفة ما يُنشَر في العربية، والحرص على اختيار الموهوبين… مع ذلك، نجد اليوم ان القراء في الغرب بدأوا يُقبلون على قراءة الرواية العربية الجيدة…

الكاتب السوري رفيق شامي ابدع باللغة الالمانية كما كتب الروائي الليبي هشام مطر بالانكليزية واللبناني امين معلوف كتب بالفرنسية كما ان كثيرا من الكتاب المغاربة كتبوا بالفرنسية مثل مالك حداد واحلام السويف ومحمد ديب وكان لك سجالا صاخبا مع الكاتب المغربي الطاهر بن جلون احد المتحمسين للكتابة بالفرنسية عندما اكد في مقابلة تلفزيونية ان الكتابة بالفرنسية توفر حيزا اكبر للابداع والكشف عن خبايا الأمور ومكنونات النفس الانسانية بينما اللغة العربية لا تسعف على التعبير الصريح والكاشف لانها لغة القرآن ولغة مقدسة لماذا عارضت بشدة طرح ابن جلون وهل تعتبر ان الكتابة الروائية لمبدعين عرب باللغات الاجنبية مكسبا للادب العربي ومحفزا للتجديد في االكتابة الروائية العربية؟

أنا افرق بين شيئيْن في هذه المسألة: الأدب الذي يكتبه عرب بلغة اجنبية هو امتداد للأدب العربي الحديث وجزء منه، يُغنيه ويُخصبه… ووجوده مُبرَّر اما لأسباب تتعلق بفترة الاستعمار، او لمقتضيات راهنة تتصل بالهجرة الى اوروبا وتداخل الثقافات… أما الجانب الآخر الذي كان موضوع نقاش وجِدال مع الصديق الطاهر بنجلون، فهو يتعلق بما قاله في جلسة تلفزيونية فرنسية من ان اللغة العربية لا تسمح بالتعبير عن الموضوعات الجريئة، خاصة الجنس، وأن الكتاب المعبرين بالعربية لا يجرؤون على ذلك لأن العربية هي لغة القرآن! انا اختلف معه، لأن اللغة لا يمكن ان تكون مقدسة، بل هي مرتبطة بالحياة وتفاصيلها، وخاضعة للتطوّر التاريخي. وفي العربية بالذات، نجد نصوصاً في منتهى الجرأة شعراً ونثراً، كما نجد اليوم روايات لا تقل في جسارتها عمّا يُكتَب باللغات الأجنبية؛ مثلا : روايات صنع الله ابراهيم ورؤوف مسعد ومحمد شكري، والطيب صالح وحنان الشيخ ورشيد الضعيف، واللائحة طويلة.

يعتبر الناقد والباحث من مصر جابر عصفور النصف الثاني من القرن العشرين «زمن الرواية العربية» كما يرى الرواية وليس الشعر هي «ديوان العرب». هل هو زمن الرواي

زمن الرواية، زمن الشعر، زمن المسرح… هذه توصيفات مؤقتة ترتبط بالسياق المصاحب لتطور الإنتاج الأدبي في مجتمع ماّ. لكن القول بأن الرواية العربية تعرف راهناً اقبالاً وانتشاراً نسبياً، لا يعني انها تتفوق على الشعر لأن مجال الشعر يتوفر على مبدعين كبار وله متذوّقوه وعشاقه. انا ارى ان حظوة الرواية ترجع الى حاجة القارئ العربي لأن يرى نفسه في مرآة الرواية التي يسمح شكلها المرِن ولغتها المتعددة، برسم تفاصيل الحياة والتجارب والصراعات من خلال مشاهد وحوارات تسعف القارئ على استرجاع ما عاشه ويعيشه ليفكر فيه ويستوعبه. إن الرواية القائمة على التخييل تقترب من الواقع المعقد وتقدم عناصر قد يوظفها القارئ لفهم اجزاء من حياته الخاصة. الاّ ان هذه الميزة الروائية لا تتحقق الاّ على يد الروائيين الموهوبين!

مجلة شعر

في هذه الأيام تحتفي الصحافة الأدبية في العالم العربي بخمسينية مجلة شعر. كيف ترى مساهمة مجلة شعر في مشروع الحداثة في العالم العربي الى اي حد تمثل هذه المجلة تجديدا في الشعر العربي باتجاهتها الحداثية المختلفة عندما تأثر مؤسسوها بشعراء ومنظرين من دول اوربية ذات تراث ثقافي حداثي مختلف ادت الى بلورة تيارات فكرية وأدبية مختلفة عبر عنها اعضاء المجلة مثل: يوسف الخال محمد الماغوط فؤاد رفقة جبرا وادونيس وسلمى الجيوسي وغيرها؟

مجلة «شعر » علامة بارزة في مسار الحركة الشعري العربية، لأنها جسّدتْ التّوْق الى التجديد والتفاعل مع الشعر العالمي لتعميق اشكال ومضامين التعبير الشعري. وقد مثّلت هذه المجلة وجهاً متقدما من المُثاقفة ينبني على الترجمة والفهم والحوار وإنجاز النصوص الخارجة عن المنوال التقليدي الموروث. لذلك تعتبر «شعر» احد المنابر الأساسية التي شيدت الحداثة الشعرية العربية المعاصرة.

في لقاء معك قلت ان حضورك كناقد طغى على حضورك كمبدع هل هنالك ثمة علاقة جدلية بين النقد والابداع الروائي؟ وكيف وفقت انت في تجربتك الإبداعية في كلا المجالين بين نوعين مختلفين من الكتابة؟

لا اعتقد اننا نولد وعلى جبيننا الصفة التي ستلازمنا في مجال الإبداع :هذا شاعر وذاك ناقد الخ…؛ وإنما يتعلق الأمر بالاستعداد والممارسة. وأنا اعتقد ان كل مبدع يتوفر على حاسة نقدية ويمارس النقد بكيفية او اخرى، في حواراته الصحفية واختياره لشكل الكتابة… وبالنسبة لي، بدأت بكتابة القصة ثم احترفتُ التدريس وكتبت النقد انطلاقاً من مجال تخصصي الجامعي. وكتابة الرواية جاءت استجابة لحاجة داخل النفس ونتيجة لتجربة في الحياة والقراءة. المهم هو ان يقنعنا الناقد، حين يكتب رواية، بفنية روايته وتوفُّرها على خصائص الرواية…

يدعي بعضهم أن الإبداع العربي تفوق كثيرا على النقد العربي ما هو تقييمك لمسألة النقد الادبي في العالم العربي اليوم؟

هذا الانطباع عند الناس مصدرُه ان الإنتاج الأدبي العربي اتسع كثيراً، وأن الوضع الاعتباري للناقد قد تغير فلم يعد هو ذلك المتدخل في المجال الاجتماعي والإيديولجي من خلال نقد النصوص الأدبية: لم يعد الناقد هو الذي يخوض جميع المعارك الثقافية والفكرية والسياسية، كما كان الشأن عند طه حسين مثلاً. الناقد اليوم يهتم بتحليل النصوص وتأويلها، ومحاولة استجلاء ما تقوله ضمن مقتضيات الشكل والعناصر الجمالية. ومن ثم فإن ما يُكتب من نقد هو كثير، لكنه يستعمل لغة متخصصة ويطبق مناهج قد لا يدركها القارئ العادي. وأنا لا اميل الى المفاضلة بين الأجناس التعبيرية، لأن كل جنس تعبيري له اجتهاداته وعطاءاته. المهم هو ان نسعى، نقاداً ومبدعين الى اعادة النظر في المنجزات ومحاولة صياغة اسئلة اخرى تستجيب لانتظاراتنا من الأدب والإبداع على السواء.

كيف تقيم استفادة النقد العربي من المناهج النقدية التي تبلورت في الغرب هل سخر الناقد العربي هذه المناهج للاشتغال على النصوص المكتوبة في العالم العربي بنجاح رغم الفروق الثقافية والخصوصية الحضارية التي نمت فيها هذه النظريات (في اوروبا) ،وهل ترى في الأفق نظرية نقدية عربية؟
لا اعتبر مسألة الوصول الى «نظرية نقدية عربية» قضية مهمة، لأنها لا تقوم على اساس صحيح: ما دامت العلوم الإنسانية تقوم على جهود مشتركة بين مختلف الثقافات، وما دامت المناهج تتقاطع في مستويات التحليل اللساني والسوسيولجي والنفساني… ، فلماذا نفترض ان المنهج الذي سنحلل به نصوصنا يجب ان يكون «عربياًّ» والحال ان كثيرا من العناصر النظرية مشتركة، وبُذلتْ جهود عالمية لبلورتها. المشكل الأهم يتمثل في محاولة تعرّفنا على تلك المناهج العالمية تعرُّفاً يأخذ في الاعتبار النسبية والسياق التاريخي، ويفسح المجال للأسئلة المُتحدّرة من صلب النصوص الإبداعية العربية، اي على الناقد الاّ ينسى ان النظرية والمنهج هما مجرد وسيلة وليسا غاية في حدّ ذاتهما.

الأحد، 28 مارس 2010

نقطة البداية


هَكَذَا اذَا وُلِدْت مُدَوّنَتِي الاكْترُونِيّة. كَان الْمَخَاض طَوَيْلَا وُعَسِيْرا تَرَتَّب عَلَى الْاقْدَام وَالاحَجَام, الْهُجُوم وَالِارْتِدَاد, الْنُّهُوْض و الْنُّكُوص. تَرَدَّدْت كَثِيْرَا هَل اخُوّض تَجْرِبَة الْتَّدْوِيْن الِالِكْترُوْنِي ام لَا , هَل امْكِن الْاخِرِين مِن الْتَلَصُص عَلَى خُصُوْصِيَّاتِي وَبَعْض الْزَّوَايَا الْمُعْتِمَة مِن حَنَايَا الْرُّوْح. حَسَب تَعْبِيْر فَدْوَى طَوْقَان فِي مُقَدِّمَة سِيْرَتَهَا الْذَّاتِيَّة (رِحْلَة جَبَلِيَّة, رِحْلَة صَّعْبَة, 1985) وَبِالْمُنَاسِبَة هِي سِيْرَة جَدِيْرَة بِالْقِرَاءَة وَالِتَامِل كَثِيْرا لَقَد اضَاءَت الْرَّاحِلَة الْرَّائِعَة فَدْوَى الْطَّرِيْق امَام الْسَّائِرِيْن الْتَّائِهِيْن فِي الْدُّرُوب الْمُظْلِمَة (كَمَا تَمَنَّت هِي) وَالامَاكِن الْمُوْحِشَة. لَا اسْتَطِيَع ان احْدُد سَبَبَا بِعَيْنِه لِمِيْلاد هَذِه الْمُدَوَّنَة الَّتِي بَدَات تَحْبُو بِخَجَل عَلَى ضِفَاف الْشَّبَكَة الْالِّكْتَرُوْنِيَّة. كَمَا لَا اسْتَطِيَع وَالْحَال هَذِه ان احْدُد اهْدّافا وَاضِحَة لَاطَلاق الْمُدَوَّنَة لَعَلَّهَا حَاجَة مَاسَّة لْلْبَوْح الِانَسَانِي عَمَّا يَجُوْل فِي خَاطِرِي مِن افْكَار تَنْثَال احَيَانَا وَتُعِيْدُنِي بَعِيْدا الَى ايَّام الْطُفُوْلَة الْغَائِرَة, وَمَا تَعْبُق بِه الْذَّاكِرَة مِن مَسَاحَات شَاسِعَة تَحْتَاج الَى الْرَدْم او الَى شَيْء مِن الْبَوْح الْهَادِىء وْالرَائِق عَلَى ضَوْء صَخَب الْازْمِنَة الْجَدِيْدَة وَهَذَا الْفَرَاغ وَالْخُوَاء الْرُّوْحِي الَّذِي اضْحَى مِن ابَرُزّسَمَات مُجْتَمَعَاتِنَا الْعَرَبِيَّة الْمُتَرَنِّحَة فِي قَلْب حَدَاثَة مُزَيَّفَة وَمَا تَزَال تُرَاوح مَكَانَهَا او لَعَلَّهَا تُسَيِّر عَلَى غَيْر هُدَى فِي عَالَم مَجْنُوْن يَضِج بِالْحَرَكَة وَلِلسُرْعَة وَعَدَم الِاسْتِقْرَار. لَعَلِّي ارْغَب فِي الْكِتَابَة انْطِلاقَا مِن الْجُمْلَة الْرَّائِعَة (اكْتُب كَي لَا امُوَت) او لَعَلِّي ارْغَب فِي تَحْسِيْن لُغَتِي وَتَصْحِيح زَلِاتِها وَسَقَطَاتِهَا . او لَعَلَّه الْتَّنْفِيس عَن الضُغَوطَات وَالْدَّوَائِر الْسِّحْرِيَّة الَّتِي تَحْكُم الْامْسَاك بِتَلَابِيبَنا يَوْمِيّا وَهْنَا مَّوْعِد مَع مُحَاوَلَة الّافِلَات مِنْهَا. هَكَذَا تَبْدُو الْامُوْر ابْعَد مَا تَكُوْن عَن الْوُضُوْح وَهِي اقْرَب الَى الْضَبَابِيَّة مِنْهَا الَى الْشَفَافِيَّة بِصَدَد الْاجَابَة عَن كُنْه مِيْلَاد مُدَوّنَتِي هَذِه. وَلَكِن لَا بُد لِلْامُور مِن وُضُوْح وَفِي الْلَّيْل سَتَتَحَدَّد مَعَالِم الْاشْيَاء وَسْتَبْدو الْامُوْر اكْثَر وُضَوْحَا. اعْتَقَد ان الْجُمْلَة الاخِيْرَة مُسْتَوْحَاة مِن احَد نُصُوْص الْشَّاعِر الْعِرَاقِي مُؤَيِّد الْرَّاوِي. (مِن مَوَالِيْد كَرْكُوك, 1939). رَغْم الضَبَايْبة الْصِّبْيَانِيَّة الَّتِي تُسَيْطِر عَلَى اجْوَاء الْارْهَاصَات الاوْلَى لِلْمُدَوَّنَة! لَا خِلَاف عَلَى وُجُوْدِهَا وَانْطْلَاقَهَا!!. وَلَكِن لَابُد مِن الْقَوْل انَّنِي سَارْفَد هَذِه الْمُدَوَّنَة بِمَا لَذ وَطَاب مِن الْمَقَالَات! وَالابَداعَات مِن شَتَّى الْمَوَاقِع وَالصُّحُف الْعَرَبِيَّة. وَسَيَكُوْن الْتَرْكِّيز عَلَى الْادَب الْغَرْبِي وَقَضَايَاه الْمُخْتَلِفَة, هَذِه اذَا نُقْطَة الْبِدَايَة.. فَلْنَبْدَأ