الخميس، 29 ديسمبر 2011

الهزيمة اسمها فهلوة!!



في بحثه عن أسباب هزيمة العرب الساحقة في حرب الخامس من حزيران  في سنة 1967  يتجه الباحث والناقد السوري الدكتور صادق جلال العظم (ولد في دمشق سنة 1934) إلى بنية المجتمع العربي ويؤكد أن التخلف الاجتماعي يضرب عميقا في جذور العقل العربي مما يساهم دوما في حدوث الهزائم المتتالية, ويؤكد العظم في كتابه"النقد الذاتي بعد الهزيمة, دار الطليعة, 1968" أن الخلل يكمن في الشخصية القومية للإنسان العربي ولإيضاح ذلك لجأ العظم في كتابه إلى نظرية أرسى قواعدها باحث علم الاجتماع المصري المعروف "حامد عمار" والذي ربط المنطق التبريري العربي بنمط من السلوك الاجتماعي أطلق عليه "الشخصية الفهلوية" وهذا النمط هو أنموذج له خصائص وأنماط سلوك وردود فعل ومشاعر وتصرفات معينة تميز الأفراد في بيئات اجتماعية معينة قد تزيد وقد تنقص من فرد لآخر وفقا للظروف والأوضاع الاجتماعية (صادق جلال العظم, 1968, ص 70).


وبحسب العظم هذا النمط من السلوك أي "الشخصية الفهلوية" هو الذي أدى إلى هزيمة الخامس من حزيران والى الهزيمة الدائمة أو المفتوحة للعرب.. لعدة قرون خلت.


 يطور العظم موضوع بحثه من خلال طرح عدة أحداث تخللت حرب الأيام الستة ولها دلالات واضحة على تسبب خصائص الشخصية الفهلوية في خسارة الحرب.


 وأنا في هذا المقام لست بصدد تحليل أسباب تلك الهزيمة أو غيرها من الهزائم, ولست بصدد كتابة مقالة ذات طابع عسكري أو استراتيجي وإنما رغبت في الاستئناس بتحليلات العظم حول خصائص الشخصية الفهلوية ومحاولة التذكير (على الأقل) بأن هذا الأنموذج الفهلوي (أو الفهلوة!) ما زال حيا يرزق بيننا في المجتمع العربي ولإلقاء الضوء على الموضوع سأورد بعض خصائص النمط الاجتماعي للشخصية الفهلوية.


1-    إزاحة المسؤولية وعدم تحمل تبعات اتخاذ المواقف في الأوقات المناسبة والتهرب من اتخاذ القرارات والتملص من المسؤولية وهذا ما فعله (بحسب العظم) الضباط المصريون أثناء حرب الأيام الستة في بداية الحرب وذكر هؤلاء الضباط أنهم لم يتلقوا أوامر من القيادة ولهذا لم يتخذوا أي موقف أو قرار في أكثر اللحظات حرجا.


2-    البحث عن اقصر طرق النجاح لا بل والتحايل من اجل الوصول لهدف ما, هكذا يتصرف الطالب الجامعي العربي مثلا فلا يجد ولا يجتهد ويتكأ على جهود الغير, وهذا الطالب يستهزئ بالزميل البائس المنعزل الذي يدرس ليلا نهار من اجل فهم دروسه وتحقيق هدفه بطرق مشروعه. هذا ما ذكره العظم في تحليلاته (اعتمادا على دراسة الدكتور حامد عمار للشخصية الفهلوية) ولكن هذه الظاهرة منتشرة وبكثرة اليوم خاصة عن طريق استعمال الشبكة العنكبوتية من قبل الأكاديميين في المجتمعات الأكاديمية العربية.


3-    الاهتمام الزائد بالتقاليد التي تثقل كاهل المجتمع وتحول دون إدخال إصلاحات جذرية فيه  وتفضيل الروابط القبلية والعائلية على روابط أخرى (قومية, دينية, وطنية) بحيث نرى في هذه العلاقات خضوعا تاما من قبل الأبناء للأب أو زعيم القبيلة إلى درجة فقدان الأبناء (الأجيال الشابة والأكاديميين) لشخصياتهم واستقلالهم وانسياقهم شبه الأعمى لمشيئة الحرس القديم.


4-    الشخص الفهلوي يعرف كل شيء! فعندما يسأل عن أي موضوع حتى وان لم تكن له به علاقة لا من بعيد ولا من قريب فتراه يصول ويجول ويسهب, ويشرح وينظر حول موضوع لا يفقه في شيئا.


5-    الفهلوي ما أن يطلب منه شي, أي شيء فتراه يضرب على صدره (وصلت!) ويؤكد أنه سيدبر كل أمر  فهو قادر ومتمكن ولا يعيقه عائق عن تنفيذ ما يطلب منه..


6-    ومن صفات الشخصية الفهلوية الحماس الشديد والاندفاع العنيف والاستهانة بالصعاب في بداية الطريق ثم الهبوط المفاجئ في الهمة والتراخي وانطفاء الحماس والتراجع عندما يتبين للفهلوي إن الأمر يحتاج إلى الجد والعمل والمثابرة والعمل المنتظم والنفس الطويل.


7-    الاستخفاف بالآخرين والتحقير من شانهم وتأكيد الذات والتركيز عليها وانعدام روح الفريق في العمل


على ضوء ما ذكر من صفات الشخصية الفهلوية يرى العظم أن هذا النمط سائد في المجتمع العربي وهو في الغالب يؤدي إلى التخلف الاجتماعي والابتعاد عن التفكير العلمي وهو السبب في الهزائم المتلاحقة التي مني بها العرب على جميع الأصعدة (العسكرية, العلمية, الثقافية, الاقتصادية..) وعلى الرغم من التغيرات التي طرأت على علم الاجتماع في السنوات الأخيرة والنقد الذي واجهته هذه النظرية (الشخصية الفهلوية) من قبل عدة اتجاهات وتيارات فكرية وعلى أنها نظرة يشوبها شيء من الاستشراق والتعميم في تحليل شخصية العربي على أنها شخصية تتبع لأنموذج واحد لا متغير وجامد, كأن شخصية العربي الذي ولد وترعرع في بيروت هي نفس الشخصية التي نمت وكبرت في المملكة السعودية, ورغم أنني اتفق مع بعض هذا النقد الموجه لأنموذج الشخصية الفهلوية إلا أنني اعتقد انه لو نظر الواحد منا يمينا أو يسارا لرأى ولسمع الكثير, الكثير.. من الفهلويين والفهلويات وهؤلاء يساهمون بقوة في ترسيخ الهزيمة الحضارية والثقافية والتربوية التي نعاني منها في مجتمعنا العربي في البلاد (والمجتمعات العربية بشكل عام  وان كان بشكل نسبي ومتغير في الأمكنة والظروف المختلفة).


 على ضوء ما ذكر أدعو إلى تأمل الأفكار والمساهمات التي طرحها صادق جلال العظم من جديد فرغم قدمها وما طرأ من اجتهادات نقدية جديدة! فهي لعمري لكفيلة بتفسير بعض أسباب  تخلفنا عن الركب وفساد أمرنا في هذه الديار !