الأحد، 17 يوليو 2011

في تربية النفس



في تربية النفس!



أحيانًا كثيرة نرقب الفتية والشّباب في الشارع ونستغرب ونستنكر تصرفاتهم السلبية بدءًا من عدم المحافظة على النظام واحترام القوانين والأعراف الاجتماعيّة والأخلاقيّة ووصولاً إلى استعمال الألفاظ القبيحة أو الشجارات العنيفة التي استشرت وتوّجت بجرائم قتلٍ بشعةٍ..
عندما نسمع أو نشاهد مثل هذه الظواهر سرعان ما ننتقدها ونعلن سخطنا على أولئك الفتية الذين قبّحوا وجه مجتمعنا الأخلاقيّ والمسالم والبريء من كل ما هو مشين ووضيع، وسرعان ما ننفض أيدينا من أفعال صغارنا الضّالين والتائهين عن طريق الحق التي نسير فيها نحن الكبار بثباتٍ وإباءٍ فنحن الانقياء الأتقياء لا تشوبُنا شائبة ولا تروح عن أذهاننا واردة ولا شاردة، ولكن إذا نظرنا إلى الموضوع من زاويةٍ أخرى فسنرى عجبًا، إذا ما توقفنا مع أنفسنا ولو قليلاً وسألنا أنفسنا عددًا من الأسئلة مثل: مَن وفّر الجو "التعليمي" لأولئك الصغار وربّاهم منذ نعومة أظفارهم على كراهية الآخر (عائلة أخرى، قبيلة، مدينة، بلدة، شعب، مدرسة تابعة للقبيلة الأخرى...) ومن غرس في رؤوس أولئك الصغار العنصريّة بأنواعها، خاصةً عند اندلاع معارك الانتخابات، والصراع على  المدارس وما أدراك ما المدارس عندنا! وغيرها من الوظائف والمناصب، ومَن صرخ بأعلى صوته أثناء الجلسات المسائيّة في "الديوان" (ليس المقصود هنا ديوان شعر (لا سمح الله)، بل ذلك المكان الذي أضحى في الآونة الأخيرة، على الأغلب، مكانًا للقيل والقال وبعيدًا عن حكمة الشيوخ القديمة)، ومن الذي يلوح عاليًا بالسيف ويرفع عقيرته بإشعار الحماسة أثناء الخلافات العشائريّة، حيث تراق دماء.. ومن الذي ينسى قِيم الأديان والصحراء واحترام الجيران وإغاثة الملهوف ونجدة المنكوب.. عندما تسمع قرقعة صناديق الاقتراع في بلداتنا البائسة والتي تفتقر إلى أدنى أسباب المدنيّة الحديثة والعيش الكريم وهي أشبه بمخيّمات كبيرة نلجأ إليها عند المساء قادمين من المدينة الكبيرة (شكرًا لحافلات متروبولين!) ومَن الذي يصرخ ويزمجر عاليًا عند اندلاع نقاشٍ بسيطٍ بحيث يتحول سريعًا إلى ساحة وغى يجندل فيها فرسان وشجعان بدلاً من النقاش الهادئ البنّاء، ومن الذي يسوق سيارته بتهوّرٍ وجنونٍ مساهمًا في المزيد من المآسي.. ومَن ومَن ومَن؟؟؟ سأتوقّف عن "المنمنة" لأنني إذا ما تابعت فاحتاج إلى صفحاتٍ كثيرةٍ وربما كتاب وأكثر. طبعًا لا يخفى على الجميع أن من يقوم بهذه الأفعال ويؤسّس لها هم نحن ومن نحن؟ نحن أفراد المجتمع بكافة أطيافه وقطاعاته، وهكذا يستلهم الصغار ارثنا الثقافي الغنيّ! ويتمثلون قيَمنا التي نزرع فيهم، إنهم الثمار التي تؤتي أُكلها في الصيف وتنضج إبّان المعارك والشجارات حامية الوطيس (كثير من الشجارات تحدث قي شهر رمضان، سبحان الله..) (الآن إثناء الكتابة اسمع عن طريق الإذاعة أن شابًا قُتل في مدينة عربيّة جرّاء إطلاق النار، سنة خير هذه السنة!) وهكذا كل يتابع طريقه وكأن شيئًا لم يحدث، ننأى بأنفسنا متكبّرين تائهين وكأننا أنبياء مرسلون، متباهين بتاريخنا المجيد وديننا الحنيف ( يحق لنا ولكن أين نحن من أخلاقيّات الإسلام السامية!) فنحن أبناء حضارة عريقة تحفل بالتسامح وتطور العلوم والآداب وذلك قبل ألف سنة بالتمام وها نحن نجلس في ذلك الديوان (الخربان وليس العامر!) ننتظر أن تعود عجلة التاريخ إلى الوراء ويعود العربان إلى تسيّد الزمان والمكان ولكن هيهاتَ هيهاتَ..فلقد أضعنا المكان والزمان وزعقت فوق رؤوسنا غربان! ولكننا أثناء الانتظار نعيش ونتخبّط في انحطاط لا يعلمه إلا الله، انظروا حولكم تأمّلوا وجوه بعضكم البعض، انظروا إلى الشوارع! النظيفة جدًّا!, تأمّلوا المكتبات العامة المكتظّة بآلاف القرّاء! كحّلوا عيونكم بجمال الحدائق العامة! في مخيماتنا العربيّة! تعالوا لنسرح ونمرح في المؤسّسات الثقافيّة المختلفة! هنا ندوة ادبية، وهناك توقيع كتاب جديد، وفي الحيّ المجاور مسرحية تُعرض بعد وجبة العشاء! كل هذه المشاهد هي محض خيالٍ وهي بعيدة المنال إلا أذا قررنا إصلاح اعوجاج نفوسنا ونفضنا أيدينا من الخواء الروحي الذي نقبع فيه ونتوقف عن اتهام الجيل الجديد بالفساد، والجهل والسطحيّة، علينا أن نتذكر أننا المسؤولون عن أولئك ونحن من بلور وبرمج تلك المخلوقات الصغيرة على ما هي عليه! وبحسب روح النص أقول ما رأيكم يا سادة أن نغيّر أنفسنا نحن الكبار قبل أن نتهم صغارنا، فكرة ليس كذلك؟