السبت، 18 ديسمبر 2010

موت المثقف

اذا ما القينا نظرة عامة على الرواية العربية الجديدة واذا ارخنا لهذه الرواية بجيل الستينات في مصر بشكل فضفاض وغير دقيق ومجازف الى حد ما ! فاننا سنجد صورة قاتمة تسود العوالم الروائية, ان الاسى وعدم النجاح في ايجاد اجوبة للاسئلة التي يطرحها هذا الادب ابرز ما يميز الرواية العر بية الجديدة, ففي جيل الستينات تتتجلى الخيبة والياس مما الت اليه اوضاع العالم العربي في النصف الثاني من القرن العشرين ويتضح هذا في روايات محمد البساطي (صخب البحيرة وجوع, مثلا) وابراهيم اصلان (مالك الحزين على سبيل المثال لا الحصر) وصنع الله ابراهيم (نجمة اغسطس, يوميات الواحات, امريكانلي, التلصص) جمال الغيطاني (الزيني بركات) وطبعا لا بد من اقحام اعمال عبد الرحمن منيف (مدن الملح, شرق المتوسط)غيره من الامثلة. في السنوات الخيرة تتابع الرواية العربية التعبير عن القلق الوجودي الذي يعيشه الانسان العربي او اكثر تحديدا المثقف العربي الذي بات عاجزا عن الوقوف امام الاسئلة الصعبة والتعجيزية حول صيرورة الزمن العربي, اسئلة ما زالت تراوح مكانها منذ بداية ما اصطلح على تسميته "عصر النهضة" منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى اللحظة الراهنة, اسئلة تخص الضعف العربي العام, وعدم مجاراة باقي الامم, والدونية المتمثلة في علاقة العرب مع الغرب, وغيرها من القضايا التي ما زلنا نتدوالها منذ قرنين من الزمان. في روايته "تغريدة البجعة" يطلق مكاوي سعيد الحشرجة الاخيرة لمثقف العربي البجعة التي تتهاوى وتسقط تعبر عن حالة التمزق والاضمحلال للمثقف العربي وفقدانه لدوره لا بل يأسه المطلق من مقاومة الاسئلة الصعبة التي يقف قبالتها, لا بل قل التحديات التي تحول دون تاديته ادنى تاثير على محيطه, فالمثقف العربي يقف عاجزا حيال الخراب المهول الذي حل في الدولة العربية, وفي المجتمع العربي ككل,انهيار قيمي تام, ظواهر اجتماعية هدامة كما يصف مكاوي سعيد ظاهرة اولاد الشوارع,  وتخلي  الدولة الوطنية  عن دورها في مقابل تعزيز طابعها القمعي والنفعي وانحسار دورها التنموي والتثقيفي والوطني في بناء مجتمع طبيعي. تغريدة البجعة ما هي الا اعلان عن موت المثقف العربي وربما الاعلان عن الياس المطلق والنهائي من اي امل في بعث احلام النهضة العربية المشتهاة منذ قرون هكذا وعلى نفس الطريقة اقول ان الكتابة العربية الجدية تعبر بشكل عام عن الخيبة والياس من الحداثة في العالم العربي وما هي الا اعلان عن دفن افكار هذه الحداثة في العالم العربي, هكذا نرى ابطال مكاوي سعيد المثقفين يسقطون الواحد تلو الاخر فاحدهم يصبح سلفيا متزمتا واخر صوفيا منقطعا عن العالم واخر يهوي الى هاوية الياس. ختاما اقول وعلى الرغم من نبرة السقوط التي تسم مقالتي ان الكتابة العربية تطورت كثيرا من الناحية الفنية, ان التغيير الهائل الذي احدثه جيل الستينات في انماط الكتابة الروائية جعل الرواية اكثر تعبيرا عن طبقات اجتماعية مهمشة واسمعت العالم اصواتا جديدة مثل : الاطفال, الفقراء, الطلاب, والمثقفين من الطبقات الدنيا, كما ان مجرد اثارة الاسئلة ومراجعة النفس خير من التقوقع والانغلاق على النفس, هل تكمن بارقة امل في هاتي النقطتين الايجابيتين الاخيرتين, تطور الرواية العربية, وطرح اسئلةاكثر عمقا وايلاما, ربما!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق